جريصاتي في افتتاح معرض مجموعة جوزف وأدونيس نعمه: كل شيء ينضب إن نضب شريان العلم والمعرفة في عروقنا

افتتح مركز "فينيكس للدراسات اللبنانية"، في جامعة الروح القدس - الكسليك، والمركز الثقافي الفرنسي - دير القمر والعميد الركن المتقاعد أدونيس نعمه، معرضا ثقافيا لمكتبة المؤرخ المرحوم جوزف نعمه ونجله العميد الركن المتقاعد أدونيس، بعنوان: "صفحات من تاريخ لبنان (مجموعة جوزف وأدونيس نعمه)"، برعاية وزير العدل سليم جريصاتي وحضوره، وسيستمر لمدة شهرين، في دير القمر، في المركز الثقافي الفرنسي، دير القمر.

حضر الافتتاح جمع من الوزراء والنواب الحاليين والسابقين وممثلون عن البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي وعن القادة العسكريين، إضافة إلى حشد من المقامات والفعاليات السياسية والدينية والأمنية والقضائية والبلدية والاختيارية والثقافية والسياحية والإعلامية.

ويضم المعرض كتبا نادرة تعود في تاريخها إلى ما بين القرن الخامس عشر ويومنا هذا، مخطوطات نادرة، صور فوتوغرافية تعود إلى أوائل عهد التصوير الفوتوغرافي في لبنان، وثائق قيمة تتضمن معلومات تاريخية مهمة عن محطات أساسية من تاريخ لبنان، إضافة إلى كل ما يتعلق بدير القمر تاريخا ورسوما سياحية وأعلاما من أبنائها مع مؤلفاتهم.

وتجدر الإشارة إلى أن مكتبة المؤرخ جوزف نعمه تعد من أهم المكتبات لضخامتها ولاحتوائها على وثائق ومخطوطات نادرة قل مثيلها وهي اليوم تعرض في المركز الثقافي الفرنسي في دير القمر، لتمكين المهتمين بتاريخ لبنان ودير القمر الاطلاع على معلومات قيمة وفريدة من نوعها تعرض للمرة الأولى.

رويس
استهل الافتتاح بالنشيدين الوطنيين اللبناني والفرنسي، ثم تحدث مدير المركز الثقافي الفرنسي في دير القمر سيد رويس عن فكرة انطلاق هذا المعرض بعد لقاء مع العميد أدونيس نعمة، "الشاب الديناميكي الذي كرس حياته لخدمة وطنه، وبذل جهودا حثيثة وطاقة كبيرة ليبصر هذا المعرض النور"، مشيدا "بمركز فينيكس بشخص مديره والعاملين فيه على عملهم المميز في تحقيق هذا المشروع"، ومنوها "بما يقوم به المركز من أعمال تساهم في الحفاظ على تاريخ لبنان وذاكرته".

كما أعرب عن سروره وفخره لاستضافة هذا المعرض على جدران المركز، معلنا أن "المعرض سيفتح أبوابه أمام المئات من طلاب المدارس المجاورة، وفق زيارات منظمة، مع بداية العام الدراسي المقبل، لتتسنى لهم فرصة اكتشاف جزء مهم من تاريخ بلدهم".

نعمه
وألقى العميد الركن نعمه كلمة لفت فيها إلى "أن هذا المعرض يقام متوافقا مع مناسبة عزيزة على أهل دير القمر، وهي عيد شفيعتهم سيدة التلة. فنلتمس له منها شفاعتها وبركاتها عند الله بأن يحالفه التوفيق بإعطاء الجمهور الزائر فكرة عن هذه المكتبة الغنية بالكتب العزيزة على التداول لأنها أصبحت نادرة لا بل مفقودة اليوم، كما يطلعه على مخطوطات ثمينة إلى حد أنها تستعرض أمورا تاريخية وثقافية لا يقع عليهاأحد في مصادر أخرى، لأن مكتبة جوزف وأدونيس نعمه تتفرد بها دون سواها".

وأوضح أنه "في هذا المعرض يجول رواده في آفاق منفتحة على أبعاد لا تحد، لأن المكتبة التي يتألف من بعض ما تضم تحلق بهم في أجواء مترامية بعدا إلى غير ما انتهاء، وفيها انحصرت خلاصة ثقافات متعددة شرقية وغربية، وانعكست صورة حضارات قائمة ومنقضية، وعهود بائدة وحاضرة. وهي بصورة خاصة تركز على التاريخ، لأن نواتها ثم كثيرا مما فيها جمعه صاحبها المؤرخ جوزف نعمه".

مكرزل
أما كلمة جامعة الروح القدس - الكسليك، فألقاها مدير المكتبة العامة ومركز فينيكس للدراسات اللبنانية فيها الأب جوزف مكرزل الذي قال: "تحوي مكتبة جوزف وأدونيس نعمه مخطوطات وأرشيفا وكتبا ومجلات وصورا فوتوغرافية وخرائط جغرافية تعنى بتاريخ لبنان وقصص الرحالة وكتب اللاهوت والليتورجيا والفقه والأدب، إضافة الى مجموعة فريدة من المخطوطات النادرة وأرشيف غني جدا يعود الى أيام القائمقاميتين وعهد المتصرفية والحرب العالمية الأولى وفترة الانتداب الفرنسي وبداية استقلال لبنان حتى عهد الرئيس كميل شمعون. ونجد في هذا الأرشيف الكثير من الوثائق الأصلية التي تلقي الضوء على أحداث لبنان في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، كما على علاقة اللبنانيين بالحكام العثمانيين والمندوبين الفرنسيين وتاريخ الدرك والجيش، إضافة طبعا الى تاريخ دير القمر وعائلاتها وعلى الأخص آل نعمه وفروعها".

وأضاف: "وبمبادرة كريمة، قام الصديق العميد الركن المتقاعد أدونيس نعمه بوهب كامل هذه المكتبة والأرشيف الى مكتبة الجامعة. وما هذا المعرض اليوم إلا أنموذجا صغيرا ولمحة متواضعة لما تحتويه هذه المكتبة العريقة. شكرنا العميق للعميد ادونيس نعمه على مبادرته الكريمة وهي مناسبة لنعاهده أمامكم أن جامعة الروح القدس الكسليك ستسعى دائما للحفاظ على موجودات هذه المكتبة عبر تبويبها وتصنيفها وأرشفتها وتصويرها رقميا، ليصار الى وضعها بين أيدي الباحثين والطلاب، فيبقى ذكر المؤسس جوزف نعمه والواهب ادونيس نعمه حيا كل مرة استعار طالب كتابا او اطلع باحث على مستند او استنار عالم بوثيقة".

وأكد أن "الجامعة عبر مكتبتها العامة ومركز فينيكس للدراسات اللبنانية قد أخذت على عاتقها الاعتناء بتاريخ لبنان وأرشيفه عبر المحافظة على مكتبات الأفراد والمؤسسات الخاصة والعامة، كما على أرشيف الرواد من سياسيين وفنانين وادباء ومفكرين. فقامت حتى يومنا هذا بحفظ وتبويب ورقمنة أكثر من مائة وثلاثين ارشيفا نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، أرشيف رؤساء الجمهورية كميل شمعون، فؤاد شهاب، الياس سركيس وبشير الجميل، والارشيف الدبلوماسي لجورج ومارون حيمري، والارشيف العثماني المتعلق بلبنان، كما أرشيف يوسف بك كرم وأرشيف المتصرفية وأرشيف الجيش اللبناني وارشيف عائلة سرسق البروتية وبعض البلديات العريقة. من الأدباء والمفكرين والفنانين نذكر ارشيف جبران خليل جبران، الياس ابو شبكة، موريس الجميل، يوسف السودا، كمال الصليبي، جميل جبر، وديع الصافي، بيار صادق، الشاعر جودت حيدر، أرشيف ستوديو بعلبك، وغيرهم الكثير".

جريصاتي
وفي ختام الافتتاح ألقى راعي الحفل الوزير جريصاتي كلمة قال فيها: "إرث ثقافي ينتقل اليوم، من آل نعمة إلى جامعة الروح القدس، ثلاثون ألف كتاب وستة آلاف مخطوطة ومجموعة من الصور القديمة لمواقع وأماكن وشخصيات وعدد كبير من المجلات اللبنانية القديمة، بلغات متعددة، أذكر منها العربية طبعا والفرنسية والإسبانية ومن اللغات القديمة اللاتينية والسريانية".

وأضاف: "أجول في المعرض وتعود بي الذاكرة إلى أيام خلت، كنا فيها أكثر انصرافا إلى نهل العلم والمعرفة، حتى إن اكتسبنا خبرة، أصبحت تلك الخبرة، من حيث ندري أو لا ندري، تطغى، في كثير من الأحيان، على ما عداها من مرجعيات ثقافية وعلمية نستشرف منها المواقف والحلول".

وتابع: "كل شيء ينضب، حتى الخبرة، إن نضب شريان العلم والمعرفة في عروقنا وأفئدتنا وعقولنا، ذلك أن الإنسان مفطور على اكتساب المعرفة، يبحث عنها في كل زاوية من زوايا حياته، إذ أنه بحاجة إليها بقدر حاجته إلى الهواء الذي يتنشق. إن الأفكار النيرات تأتي من القلب، وإلا أصابها الجمود واستحالت أصناما فكرية يقف عندها الإنسان ولا يتقدم في إنسانيته التي هي مرتكز كل تقدم في تاريخ الحضارات والأديان. إن هذه الأمانة اليوم التي تستودعها صديقي العميد، صرحا علميا كبيرا من صروح بلادي سوف تكون بمتناول الأجيال الصاعدة حتى إن احتاجت إلى بعض الترميم، وجدت ضالتها في هذا الصرح الذي يحتوي على مركز ترميمي وتوثيقي فريد من نوعه في الشرق للكتب والمخطوطات والأفلام والصور القديمة التي من شأنها أن تحفظ إلى الأبد ذاكرة لبنان التاريخية".

وقال: "حسنا فعلت ليومك وغدك، وما ينفرد فيه هذا الفعل هو الطابع التأريخي الغالب على مجموعتك النادرة. وها أنت تثري اليوم جامعة الكسليك بما ملكت يداك وملك إرثك عن والدك من وسائل المعرفة التاريخية لهذا الوطن العظيم المتجذر في التاريخ، والذي اسمه لبنان. قالوا أن شعبنا العظيم، على ما وصفه عماد الجمهورية، من أصول كنعانية، وأن البشرية تدين لنا بالحرف واللون، وإنجيلنا يقول أن "في البدء كان الكلمة"، وأن مسيحنا وطأت قدماه سواحلنا، وأن كبار قومنا ساهموا في النهضة العلمية الحديثة في العالم العربي، وسنوا، وسنوا الشرع الدولية لحقوق الإنسان، وانتشر قومنا في أصقاع العالم وتجلت العبقرية اللبنانية في ميادين شتى، وشعراؤنا ألهبوا المشاعر والأذهان في المهاجر ولبنان، هذا ال"لبنان" الذي أصبح مشفى الشرق ومقصده لاكتساب العلم والمعرفة، فهل نستكين إلى هذا الإرث العظيم كأننا نخلد إلى الراحة بعد طول عناء أم ننهض دوما من كبوات الزمان وجماده لنجدد الدم والعهد بأننا مبدعون أبدا في ميادين الثقافة والمعرفة والعلم، على ما نشهد اليوم؟"

واختتم الافتتاح بنخب المناسبة ثم جال الحضور في أرجاء المعرض.