التقرير العالمي للعلوم الاجتماعية أطلق من الجامعة الأميركية في بيروت :أوجه عدم المساواة الجامحة قد تحول دون تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة
أنذر التقرير العالمي للعلوم الاجتماعية، " تحدي حالات عدم المساواة: مسارات من أجل تحقيق عالم يسوده العدل" بأن أوجه عدم المساواة المتزايدة قد تهدد استدامة الاقتصادات والجماعات والمجتمعات لأنها تضعف الجهود المبذولة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030".
صدر هذا التقرير باللغة العربية بفضل مساهمة قدمتها مؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية، وأطلق في 13-14 أيلول في الجامعة الأميركية في بيروت (AUB)، بالتعاون بين قسم علم الاجتماع والأنثروبولوجيا والاعلام في الجامعة، ومنتدى البدائل العربي للدراسات (AFA)، واليونيسكو (UNESCO).
ويلقي التقرير الضوء على "الفجوات الكبيرة في ما يخص بيانات العلوم الاجتماعية بشأن أوجه عدم المساواة في مناطق مختلفة في العالم، بهدف الدفع بعجلة التقدم لإيجاد مجتمعات تتسم بقدر أكبر من الشمولية".
ويدعو التقرير إلى "تكثيف البحوث في مجال العلاقة بين أوجه عدم المساواة الاقتصادية، من جهة، وفي مجالات أخرى مثل قضايا الجنسين والتعليم والصحة، من جهة أخرى.
وفي تعليق له قال أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور ساري حنفي: "إن التقرير العالمي للعلوم الاجتماعية لعام 2016 هو رسالة نزيهة عن كيف أن مستقبل البشرية قاتم نظرا الى الاتجاهات المتزايدة في مختلف أنواع عدم المساواة الاجتماعية. ما هو لافت هو عدم المساواة البيئية من حيث الوصول إلى الموارد الطبيعية، والافادة من استغلالها والتعرض للتلوث والمخاطر. على الرغم من ذلك، هناك بعض الأخبار الجيدة نسبيا من دول بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) التي تمكنت من دفع النمو الاقتصادي في المناطق الأكثر فقرا في العالم".
ويضم التقرير مساهمات أكثر من 100 خبير. وقد أعد بتوجيه وإشراف من لجنة استشارية علمية مؤلفة من نخبة من الأكاديميين من كل المناطق ومن بينهم جوزف اشتيغليتز، الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد. والجدير بالذكر المجلس الدولي للعلوم الاجتماعية أعد التقرير، بالتعاون مع معهد دراسات التنمية في جامعة ساسكس في المملكة المتحدة، وسينشر بالتعاون مع اليونيسكو.
ويفيد التقرير أن "مسألة تفاقم أوجه عدم المساواة وما يجب فعله حيال ذلك تستحوذ على قدر كبير من اهتمام الحكومات والشركات وقادة المجتمع المدني والمواطنين في جميع أنحاء العالم. إذ يعد الحد من عدم المساواة، في المقام الأول، مسألة إنصاف وعدالة اجتماعية. ويعد أيضا عنصرا أساسيا للقضاء على الفقر المدقع، وتدعيم التحولات الرامية إلى تحقيق الاستدامة وتعزيز التقدم الاجتماعي والدفع بالرقي الاجتماعي قدما والحد من النزاعات وأعمال العنف وتطوير الحوكمة الشاملة".
في حين يظهر التقرير زيادة بمقدار خمسة أضعاف في الدراسات المعنية بمسألة عدم المساواة والعدالة الاجتماعية في المنشورات الأكاديمية بين عامي 1992-2013، إلا أن العديد من الدراسات لا تولي اهتماما كافيا لأوجه عدم المساواة التي تتجاوز معايير الدخل والثروة، مثل مجالات الصحة والتعليم وقضايا الجنسين. وفي هذا السياق، يذكر التقرير سبعة أبعاد متداخلة لمسألة عدم المساواة، وهي: الأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والبيئية والمكانية والمعرفية.
ونظرا إلى العلاقة الوثيقة بين هذه الأبعاد، تنشأ دوامة من أوجه عدم مساواة تنتقل من جيل إلى آخر.
وفي هذا السياق، قال رئيس قسم البحوث والسياسات والتبصر في قطاع اليونيسكو للعلوم الاجتماعية والإنسانية جون كرولي: "يعد هذا التقرير بمثابة صرخة تحذير. فلا بد من سد الفجوة في مجال بحوث العلوم الاجتماعية في شأن مسألة عدم المساواة، ثم العمل على البحث لتصميم وتنفيذ لسياسات عملية هو أمر حيوي من أجل تحقيق الأهداف المتداخلة لخطة عام 2030 للتحولات التي لا تتخلى عن أي أحد".
ويدعو التقرير أيضا إلى "زيادة التعاون بين القطاعات والحدود الجغرافية ومجالات البحوث، لمساعدة الحكومات على تطوير سياسات أكثر فاعلية سعيا نحو إيجاد مجتمعات تتسم بقدر أكبر من الشمولية. ولتحقيق هذه الغاية، لا بد من استغلال الشبكات الدولية ومصادر البيانات المتاحة وإمكان الوصول الحر الى المنشورات والبرمجيات.
يتيح نشر التقرير العالمي للعلوم الاجتماعية باللغة العربية "فرصة مهمة للتأمل الإقليمي حول تحديات عدم المساواة".
بدوره، قال مدير "منتدى البدائل العربي للدراسات" محمد العجاتي، "في المنطقة العربية، إننا في حاجة الى بحوث أقوى تمتد على المدى البعيد في مجال العلوم الاجتماعية في شأن مسألة عدم المساواة المستمرة في تقويض قدرتنا على معالجة الأولويات العالمية الأخرى. وإننا في حاجة إلى إحداث تغيير كبير نحو خطة بحثية عالمية شاملة ومتعددة المجالات والمقاييس".
ويشدد التقرير على أن "التركيز على بحوث العلوم الاجتماعية في ما يتعلق بأوجه عدم المساواة عادة ما يتركز في البلدان المتقدمة التي تتوافر عنها بيانات موثوقة، على حساب البلدان النامية التي لا تمتلك بيانات موثوقة. فعلى سبيل المثال، تمثل نسبة منشورات العلوم الاجتماعية والإنسانية، في ما يتعلق بأوجه عدم المساواة والعدالة الاجتماعية بين عامي 1992 و2013، أكثر من 80 في المئة في أميركا الشمالية وأوروبا الغربية، بما في ذلك أعمال عدد من الاقتصاديين وعلماء النفس والاجتماع.
وقد ساهمت أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وأميركا اللاتينية بنسبة 2 و3 في المئة على التوالي من هذه المنشورات.
وتظهر البحوث المعنية بتزايد حالات عدم المساواة أن 1% من السكان يمتلكون نصف الثروات حول العالم وأن ثروة الأشخاص الأكثر غنى، والذين يصل عددهم إلى 62، تعادل ثروة النصف الأكثر فقرا من البشرية.
وقد اعتمدت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والبالغ عددها 193 دولة عضوا، في شهر أيلول 2015، 17 هدفا من أهداف التنمية المستدامة، في إطار التزام عالمي طموح للقضاء على الفقر وإيجاد حل لأوجه عدم المساواة والتصدي لمشكلة تغير المناخ خلال السنوات الـ15 المقبلة. إذ ترمي أهداف التنمية المستدامة، التي حلت مكان الأهداف الإنمائية للألفية، إلى "تحسين الحياة في جميع البلدان حول العالم، مشركة البلدان الغنية والفقيرة على حد سواء في الجهود الرامية إلى تحقيق سلسلة من الأهداف المترابطة، وبما في ذلك الحد من مسألة عدم المساواة".