يازجي: نشهد خلطا بين المفاهيم السياسية يمتطي الدين وسيلة ويلغي مفهوم المواطنة
حضر الإحتفال نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، السفيرة اليونانية كاترين بورا، ممثل النائب سليمان فرنجية رفلي دياب، النواب: عاطف مجدلاني، فادي كرم، نضال طعمة، قاسم عبد العزيز، عباس هاشم وخالد زهرمان، ممثل قائد الجيش جان قهوجي العميد فوزي خوري، ممثل اللواء جورج قرعة المقدم جون فنيانوس، ممثل مدير عام مخابرات الجيش ادمون فاضل المقدم نجيب النبوت، مطارنة الابرشيات، رئيسة المنطقة التربوية في الشمال نهلة حاماتي نعمة، المفتش العام فوزي نعمة، طبيب قضاء الكورة ميشال نعمة، المهندس جون مفرج، المهندس عبدالله الزاخم، رؤساء بلديات ونقباء وشخصيات، كما حضر ايضا رئيس الجامعة الدكتور ايلي سالم وأعضاء مجلس أمناء الجامعة وعمداء ومدراء وأساتذة وأهالي وطلاب وأصدقاء.
رسالة يازجي
وكانت رسالة من البطريرك يازجي جاء فيها "المحبة ليست فكرة، إنما هي عمل وترجمة في نطاقِ المحسوس. هي صلاة بالعمل، كما أن التسبيح هو صلاة بالذهن والقول. لذلك، نحن في الكنيسة نعكس الأهداف. ليست المؤسسة هدفا بل سبيل، وليس الإنسان رقما بل غاية. الإنسان هو هدف وجود كل مؤسساتنا، وأنا أحمل هذه الكلمةَ زخما خاصا يختلف عن المضمون المستخدَم بشكل عام. فالإنسان الذي نخدم هو الإنسان الذي مات المسيح من أجله على الصليب ووحدَ نفسَه به.
لكننا نعي أيضا أننا نعيش في عالم له مستلزمات عملية لا يسعنا أن نتغاضى عنها، كما نعي أننا نعمل ضمنَ أطر تحتم علينا الأخذَ بالحسبان واقعَ الحضور المجتمعي الذي نحن مدعوونَ إليه. لذلك أود أن أعرج وإياكم على بعض الأوضاع الراهنة وانعكاساتها على مؤسساتنا بشكل عام، وعلى الجامعة بشكل خاص. كلنا يعلم أن جامعةَ البلمند تأسست في ظروف خاصة جدا، وأن إنشاءَها من قبَل كنيستنا كان تحديا كبيرا للظروف السياسية القائمة آنذاك، وأنها جاءت بمثابة إعلان عن إرادة الحياة، وعن الأمل بالمستقبل، وعن التشبث بالقيَم الإنسانية التي ندافع عنها. وبالفعل ساهمت الجامعة بشكل مميز في تنمية العلاقة بمحيطها من خلال نشاطاتها العلمية، والثقافية، والبحثية. وقد سجل لها مجتمعها الريادةَ في اطلاق عدد من البرامج الهادفة لخدمة بيئتها، وفي طرح بعض الاشكالات التي ترتبط بمستقبل الوطن والمنطقة. لكن، وبعد خمس وعشرين سنة، لا نزال نواجه تحديات متنوعة تضعنا أمام مستجدات هامة".
أضاف:" نحن نلفت النظرَ كي نعي أنَ لهذا المعطى الجديد انعكاسا على طريقة تعاطينا مع شبابنا، وعلى تأهيلهم للتعامل مع هذا الكم الهائل من المعلومات بشكل إيجابي، ونقدي، على حد قول الرسول "امتحنوا كل شيء، وتمسكوا بالأحسن".
وتابع: "الأمر الآخر الذي لا يقل أهمية عما سبق هو التحديات السياسية التي تواجهنا اليومَ في العالم وفي منطقتنا بالذات. السياسة، في الأصل، هي حسن قيادة الشعوب. تنوعَت في التاريخ طرق التعامل مع هذا المفهوم، وعرفَ القرنان الماضيان تطورا كبيرا في النظرة الفلسفية للسياسة كأنظومة تدبيرية للمجتمعات، كما عَرفا ظهور عدد من الشرعات التي تنظم الحقوقَ على الصعيد الدولي، من دون أن تربطَها بالضرورة بواجبات محددة المعالم. لكننا اليوم نشهد خلطا بين المفاهيم السياسية وما تستلزمه من خلقيات وقيَم مجتمعية، والمعطى الديني القائم على الإيمان والأبعاد الروحية. من نتائج هذا الخلط احتقان في الخطاب السياسي الذي يمتطي الدين وسيلة، ويشرذم الشعوبَ، ويلغي مفهومَ المواطنة. فباتت الجامعة اليومَ، بحاجة لتبشرَ طلابَها بمضامينَ بديهية كانت المجتمعات قد تخطتها منذ زمن بعيد".
وقال:" وددت أن ألفتَ إلى هذه التحديات لأنني أشعر وكأننا نعيش في زمن تسطيح للأمور وكأنما السرعة التي آلت إليها التقانة اليومَ هي مرادفة للسهولة، وأنَ العولمةَ هي مرادفة لاعتماد وحدة في الأنماط، وأنَ كم المعلومات المتوافرة يلغي الخصوصيات. التسلح بفكر نقدي ثاقب مطلوب اليومَ أكثرَ من أي يوم مضى، لكي يستطيع شبابنا أن يشقَ طريقَه نحو المستقبل بروح تتمتع بطاقة الاستقلالية من جهة، وبالقدرة على التواصل من جهة أخرى. يأتي هنا دور الجامعة المميز، ودور جامعتنا بالذات".
أضاف: "قد يكون همنا الأول تنشئةَ أبنائنا في الجامعة على الحرية المسؤولة. أن يَنعمَ شبابنا بجو من الحرية يفتق طاقاتهم ويسمح بتوظيفها، أمر ضروري للغاية. ليكونَ تحمل المسؤولية جزءا من العملية التأهيلية.
ازداد الفقر، وازدادت الفروقات الاجتماعية، وازدادَ قهر الطبيعة واستنزاف مواردها. إن لم نعط الطلابَ، على تنوع اختصاصاتهم، القدرةَ على وعي هذه الأمور من خلال مواد في الإنسانيات، نكون قد قصرنا في تحضير جيل مستقبلي يحضر لإنسانية أفضلَ. الإنسان كاهن الكون، وعلينا واجب العمل لجعله قادرا على القيام بمسؤوليته هذه تجاه خالقه".
وتابع:"في مجتمع تطغى فيه لغة العنف على لغة المحبة، نحن مدعوون إلى جعل الجامعة بيئة رافضة للترهيب الفكري والجسدي، وذلك لأن "المحبة لا تسقط أبدا" كما قال الرسول بولس. في مجتمع، تحل فيه القوة الاقتصادية محل كل مبادىء الحق، نحن مدعوون إلى أن نعيشَ في الجامعة رفضَنا لمنطق القوة مهما كان نوعها، ونجعل من هذا الرفض عنوانا لخصوصيتنا. نحن مدعوون إلى أن نسلكَ بموجب هذا "الرجاء الذي فينا" والقائم على أن ربنا غلبَ الموتَ من أجلنا، فنجعلَ من هذا السلوك داخلَ الجامعة شهادةَ الجامعة تجاه طلابها أولا وتجاهَ مجتمعها ثانيا".
وختم: "قام صاحب الغبطة المثلث الرحمات البطريرك إغناطيوس الرابع بتأسيس هذه الجامعة في ظروف صعبة، ونحن نشهد اليوم كيف تم تخطي هذه الصعوبات بثقة وإيمان. لذلك لا نخشى التحديات الجديدة ولا الصعوبات المحيطة بنا. نحن ننظر إلى المستقبل بثبات، لأن يدنا على المحراث ولا ننظر إلى الوراء. فالجامعة قوة للكنيسة وقد ظهر ذلك من خلال عدد كبير من النشاطات، والدراسات، والخدمات التي قدمتها لشعبنا، ولتراثنا، ولتاريخنا".
سالم
وألقى رئيس الجامعة الدكتور ايلي سالم كلمة بعنوان "خريجو 2013 والتحديات الكبرى" جاء فيها: "أهنئكم أيها الخريجون والخريجات على إنجازاتكم في دراساتكم الجامعية وعلى الشهادات التي ستحصلون عليها. تتخرجون إلى أجواء سياسية ملبدة وإلى أوضاع إقتصادية متردية وإلى مستوى من الضيعان قد يكون فريدا في تاريخنا الحديث".
وقال:"المنطقة في أزمة تاريخية، ربما في أزمة مفصلية قد اهتزت فيها أعمدة مؤسساتها لدرجة تؤثر على حياة كل منا ومنكم. هنالك تحديات كبرى تواجهكم وتتطلب منكم وقفة ضمير حي واتخاذ القرار الجريء. تدخلون مرحلة صعبة في تاريخ المشرق العربي مرحلة تستدعي الكثير من الجدية والكثير الكثير من الشجاعة لتحمل أدوار قيادية، وفي كل المجالات، وبالأخص في الأهم منها. انظروا حولكم وماذا تجدون.
- فالدين، في عمقه الحضاري الموحد، تبعثر إلى طوائف، ومذاهب، وأحزاب، ومجمعات سياسية تبرأ هذا وتخون ذاك، تعدك بالأعلى وتجرك إلى الأسفل.
- الحضارة العربية المنبثقة من تلاحم مسيحي إسلامي على مر العصور قد هزلت وتقهقرت أمام الجرف التكنولوجي المهيمن فضاعت في طياته، وضيعت الشباب معها.
- الدولة التي كانت حلم الشباب المثقف، ووسيلته لتأمين الحرية والاستقرار والعيش الكريم، تفجرت من الداخل وتركت وراءها فراغا هائلا ملأته تجمعات الشارع والزواريب.
فإذا كان الوضع الذي يواجهكم اليوم هو على هذا المستوى من السوء والجهل والتفكك، فهو أيضا على مستوى أكبر من التحدي. ذلك أن في التاريخ مصيرا والمصير يلتوي أمام قرار الشجعان".
وتابع: "إذا كان الواقع يخيرنا بين الإقدام والإحباط، فلا خيار لنا سوى الإقدام. أمامكم قضايا كبرى تلح عليكم أن تواجهوها. هنالك وظائف كثيرة، غير العادي منها والمألوف، وظائف قيادية في المؤسسات الأساسية. فالدين ينتظر قيادات روحية عصرية تعيده إلى أصالته، إلى شموليته، إلى رحابة تعدديته. والحضارة العربية المشرقية، التي نحن منها وإليها، ومن مهندسي دعائم بنيانها، فهي أيضا تناشد قيادات جديدة لاستعادة الثقة بالنفس، للاعتزاز بما هو منا ولنا، وبالتفاعل مع التاريخ الكبير من منطلاقاتنا الحضارية الأصيلة".
وختم: "أما الدولة فانهارت للأسباب الكثيرة التي تعرفونها، وربما لأن الجامعات على مدى مئة سنة ويزيد لم تعد الأجيال الطالعة على أولوية المصالح العامة، على حقوق الشعب، وعلى سلطة القانون.الدولة ضحية تفوق المصالح الخاصة العابرة على المصالح العامة الثابتة. وبالتالي فالدولة تدعوكم للانهماك بإشكالاتها وبفخر الخدمة في مؤسساتها دعما للناس ومصالح الناس، وصحة الناس وتعليم أولاد الناس. هذه كلها وظائف كبرى تنتظركم فعليكم أن تتلقوها، لا بل أن تنتشلوها من سراديب الفساد والمفسدين. فليتكلم البعض عن الأيديولوجيات والهوائيات وليتكلم البعض عن المصالح الخاصة، أما أنتم فأمامكم الناس واحتياجات الناس وأمل العيش الكريم عندهم. وأمامكم فرح الانغماس في خدمة الناس. التحدي أمامكم كبير بالارتقاء من الفرع إلى الأصل ومن المصالح الضيقة إلى المصالح العامة. وفقكم الله في مسعاكم وسدد خطاكم".
كلمة التخرج
بعد بركة صاحب الغبطة، كانت كلمة التخرج التي ألقاها الطالب جورج المر من معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي، الذي رأى "أن اللحظة الأولى لدخوله جامعة البلمند منذ أربع سنوات لم تكن كسائر اللحظات، كما أن الجامعة ليست كسائر الجامعات فلقد استطاعت في خمسة وعشرين عاما أن تتصدر جامعات لبنان والمنطقة، لا بل أصبحت عالمية".
أضاف: "أنه وإلى جانب الشق الأكاديمي المتقدم والبارز والمتميز، علمته هذه الجامعة الأرثوذكسية الهوية، الشرقية الانتماء، أن الآخر ليس جحيمي كما قال الفيلسوف الألماني نيتشه. الآخر كما نفهمه نحن الشرقيين، وكما لمسناه هنا تحديدا، هو مصدر غنى مهما اختلف عنا. فعلينا اكتشاف بذور الذهب عنده مثلما قال المؤسس غبطة البطريرك المثلث الرحمات إغناطيوس. وأكد أنه كزملائه شعر بوجوده في عائلة بلمندية واحدة، والكل فيها سواء، ولا فرق بين الواحد والآخر كائنا من كان".
وشكر الله أولا وكل فرد من أفراد العائلة البلمندية ، الساهرة على "تأمين ما هو أفضل، وصاحب السيادة الأسقف غطاس، ورئيس الدير وعميد المعهد، الذي رافقه وزملاءه في معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي بمحبته الأبوية وسهره على نمو جميع الأفراد وتقدمهم على الأصعدة كافة، ورئيس الجامعة الدكتور إيلي سالم الذي غمر الطلاب بمحبة واهتمام".
More Photos, Please click on the following link:
http://www.globetoday.net/events/category/22-university-of-balamand-commencement-2013.html