ندوة في جامعة الروح القدس عن الفلسفة والاخلاقيات الطبية

 وتحدثت رئيسة القسم ماري فياض واعتبرت أن "المشاكل الأخلاقية التي يصطدم بها الطب اليوم تكمن في تعدد الخيارات أمام الأطباء نظرا إلى ظهور وسائل جديدة. فيقفون حائرين ويتساءلون عما يجب فعله، وأي وسيلة يستخدمون ولأي غاية؟".

وقالت:"لن تصبح الأخلاقية، وحتى الأخلاقية الطبية، علما إيجابيا، بل ستبنى، إلى أجل غير مسمى، بفضل الوعي البشري الذي يحفزه الشك. فالشك، الذي هو علامة ضعفنا، يحفز أيضا حس المسؤولية لدينا ويحثنا دائما على التفكير والتساؤل ويجنبنا أن نأخذ، بطريقة ميكانيكية، قرارات تقوم بإشراك البشرية كلها. فالشك يرتبط بالخطر الذي يمكن تصوره وقياسه وإحتسابه وتقديره وتقبله وتغييره وتحويله ولكن في الحقيقة لا يمكن ضمانه. إذا، يعتبر الشك والخطر وعلاقتهما الجدلية إضافة إلى الحذر المبادىء الأساسية التي تلجأ إليها الفلسفة للحديث عن الطب التنبؤي".

كلاب
ثم كانت مداخلة للدكتور كمال كلاب من جامعة الروح القدس - الكسليك بعنوان "فلاسفة وأطباء يواجهون تحدي الطب التنبؤي ونتائجه"، وشدد على أن "الطب التنبؤي قد هز عقيدتنا والكثير من مفاهيمنا الكلاسيكية. إذ أن التنبؤ بمرض في جسم شخص سليم قد يأتي بالمنفعة عليه إذا أدى هذا الإكتشاف إلى الوقاية".

وقال:"تواجه الأخلاقيات الطبية، يوميا، حالات جديدة بحيث يؤدي ضغط المجتمع، والعلماء والسلطة الإقتصادية إلى وضع أطباء غير مهيئين على المحك. وتتنوع تداعيات ذلك على المستوى الفردي، والإجتماعي والسياسي. فيفرض التفكير الفلسفي نفسه نظرا إلى حقيقة الآثار المترتبة عن إختيار الأجنة وعلم تحديد النسل، وتطوير تقنيات المعالجة الجديدة مثل الخلايا الجذعية والعلاج الجيني، والتي سنحاول أن نطبقها على الطب التنبؤي".

بايرتشي
وتناول الدكتور برنار بايرتشي من جامعة جنيف موضوع "كيفية إدارة مخاطر الإكتشافات غير المتوقعة في مجال تصوير الأعصاب وفي الإختبارات الجينية"، فأكد أن "الطب في كثير من الحالات يصل إلى نتائج لا يكون يبحث عنها أصلا مثل إكتشاف ورم خلال إجراء صورة شعاعية طلبت بسبب إلتهاب شعيبي."

وقال:"يوجد مجالان في الطب لهما صلة مباشرة بموضوع النتائج غير المتوقعة، هما: الإختبارات الجينية المتعلقة بالطب التنبؤي والوقائي التي يمكن أن تتم خارج سياق طبي عبر الإنترنت مث، من هنا نشك بالمعطيات النهائية. اما المجال الثاني فهو تصوير الدماغ الذي يحتاج إلى بنى تحتية خاصة بالمستشفيات".

وأشار الى أن "الإكتشافات غير المتوقعة تطرح، إستنادا إلى أخلاقيات علم الأحياء، مسائل تتعلق بحماية الحياة الخاصة، صلاحية الموافقة، احترام الإستقلالية والحق في عدم المعرفة. وبالتالي، يمكن التصرف بطريقتين فحسب:عدم البوح بالنتائج التي اكتشفت أو البوح بها. فالتصرف الأول يطرح إشكالية كبيرة خصوصً في حال وجود فرص كبيرة للعلاج أو إذا كانت النتائج تكشف خطرا يهدد حياة المريض. أما التصرف الثاني، أي الإفصاح عن النتائج، فهو جدلي أيضا لاسيما إذا المريض لم يطلب معرفة النتائج أو في حال غياب أي إمكانية للمعالجة. فهذا الأمر هو أشبه بصراع بين واجب الطبيب في المعالجة وبين إستقلالية المريض".

نجار
وفي النهاية، حاضر الوزير السابق البروفسور إبراهيم نجار من جامعة القديس يوسف عن "الجوانب القانونية للأخلاقيات الطبية" مؤكدا أن "الفلسفة تقود إلى حالات عدة من القلق مثل التوقع، والتنبؤ، والعمل على وضع خطة لمواجهة الخطر، والصدفة، والممكن، والمستقبل، بالإضافة إلى ما هو غير المؤكد، وما لا يمكن التنبؤ به ولا مقاومته. فتضع هذه الحالات رجال القانون أمام إشكالية محيرة. يلحظ القانون أنواع من العقود والحالات المعينة وينظمها ويحدد "الأطر" لإدخالها حيز التنفيذ لأن القانون يهدف إلى منع سيطرة الممكن على الواقع الحالي".

وأضاف "نادرا ما ننجح في توقع وإدارة كل شيء. فالقانون شأنه شأن العلوم الأخرى يخاف من الفراغ لذا يبحث دائما عن اليقين. وبما أن رجل القانون يحترم القانون، فإنه يخاف من المجهول ويفضل أن يقوم بعملية وضع القوانين والأنظمة. من هنا، يحتاج إلى معايير وإلى تسلسل هرمي للقواعد: بدءا من الدستور، مرورا بالقانون والمراسيم، وصولا إلى قوانين علم الأخلاق أو أخلاقيات علم الأحياء. فلا وجود للعقوبات ولا للاعدام ولا للجريمة من دون قانون".

وأشار الى "أن المراسيم لا يمكن أن تشرع تطبيق عقوبة الإعدام بل يجب إحترام تراتبية المعايير والدستور. فالأخلاق ليست كافية لوحدها بل تحتاج إلى دعم النص القانوني والقانون الوضعي، حتى المعاهدات الدولية لا يمكنها البت بعقوبات الإعدام إلاّ إذا كانت مدموجة بقوانين داخلة حيز التنفيذ. فالقانون اللبناني المتعلق بأخلاقيات علم الأحياء لا ينظم ما هو تنبؤي".

وختم قائلا:"علينا أن نقبل بمصيرنا، فالصدفة هي من ضرورات حياتنا".