سرحان في حفل تخريج طلاب الكسليك: نأمل أن يتمكن جيلكم من بناء لبنان جديد بحجم عظمة تاريخه وحضوره في العالم

أطلق رئيس جامعة الروح القدس - الكسليك الأب الدكتور طلال هاشم "فوج إلى العمل" دفعة ثانية من المتخرجين، خلال حفل تخريج 1025 طالبا وطالبة، نظمته الجامعة وحل فيه المتحدث الرئيسي وزير العدل القاضي ألبير سرحان، بحضور ممثل رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري الدكتور داود الصايغ، الرئيس العام للرهبانية اللبنانية المارونية الرئيس الأعلى للجامعة الأب العام نعمة الله الهاشم، المطران أنطوان شربل طربيه، الآباء المدبرين العامين في الرهبانية، وشخصيات سياسية وقضائية وعسكرية وأمنية ودينية وبلدية وفنية وإعلامية.

بعد النشيد الوطني، وكلمة تقديم ألقاها الإعلامي توفيق جبران، تحدث الطالب المتميز ريكاردوس لبس باسم المتخرجين، ثم كانت وقفة موسيقية مع مجموعة من متخرجي الجامعة.

الهاشم
وألقى رئيس الجامعة كلمة شكر في بدايتها وزير العدل وقال: "أنتم من مؤسسي كلية الحقوق في الجامعة، ولا حاجة بي للاشادة بهذه الكلية لما لها من مكانة في الجامعة بعامة، وفي قلبي بخاصة. إلى ذلك، يشرفني القول بكل مصداقية واعتزاز، إن حضوركم الفاعل ضمن الهيئة التعليمية، منذ تأسيس الكلية حتى اليوم، قد أعلى شأنها وعزز مكانتها، والأهم في هذه المشاركة الفاعلة والقيمة، أنكم كنتم دائما ولا تزالون بالنسبة لنا وللأساتذة والطلاب خصوصا نبراس خير وحق، ومثال الأستاذ المحب والمترفع. وانطلاقا من طيبتكم وحسن معاملتكم وتجسيدكم قدوة مثالية على صعيد القانون والقضاء والتعليم، ماضيا وحاضرا ومستقبلا، إن الجميع، ولا سيما الطلاب، يكنون لكم أصدق مشاعر المحبة وأعمقها، ويتطلعون إلى شخصكم الكريم ومسيرتكم المجلية بكل تقدير واحترام".

أضاف: "بإيجاز أقول أيضا: إلى كونكم مثالا علميا وقدوة أخلاقية، أنتم ضمانة في سدة المسؤولية الحكومية، ومصدر يوحي بالثقة بالوطن ونهضته الموعودة، لخريجينا بخاصة وشبيبتنا بعامة. لكل هذا وغيره الكثير مما لا تحبون الإفصاح عنه في مسيرتكم الناجحة، لأنكم من أنصار العمل بصمت بليغ ووداعة فعالة، ومن دعاة الأخذ بقول السيد المسيح: "لا تدع شمالك تعلم ما تفعل يمينك" (متى:6، 4 )".

وتوجه إلى المتخرجين بالقول: "أود أن أبدأ حديثي معكم عن أهلكم. إن أهلكم أبطال تنحني أمامهم الرؤوس احتراما، لأنهم سكبوا الذات وما لديهم من أجلكم، ومن أجل نجاحكم. أيها الأهل الأحباء، لكم كل احترام وتقدير وتأثيركم يؤثر فينا جميعا، لأن فيكم نرى الإنسان الذي يعي أن مسيرة الحياة ماضية الى الأمام وأن من مسؤولية كل أحد أن يلعب دوره كما يجب، في مرحلة معينة. لكم الشكر على من أنتم وعلى ما عملتم".

وقال: "ألتفت معكم الآن إلى جامعتكم. أراها، مع الكثيرين الكثيرين، تتألق وتزهو. إنها تزهو أولا بكم، أنتم طلابها وخريجوها. وهي تزهو بما تحققه من نجاحات ومن تقدم مطرد على صعيد الاعتمادات، وعلى صعيد التصنيف الدولي، وعلى صعيد شبكة العلاقات الدولية التي تتابع نسجها مع افضل الجامعات والمرجعيات العالمية. واراها تزهو بانتمائها الى الرهبانية اللبنانية المارونية، لأن هذه الرهبانية هي رهبانية القديسين، وهي رهبانية تعشق لبنان، وهي رهبانية تحمل قيما يتوق كل مجتمع أن تكون فيه. هنا، أتوجه الى رأس الرهبانية، قدس الأب العام نعمة الله الهاشم السامي الاحترام، شاكرا اياه، مع مجمع الرئاسة العامة الموقر، على منحي الثقة لأن أتولى هذه المسؤولية المباركة، وعلى متابعة أمور الجامعة بنظرة ابوية واهتمام كبير من أجل خير كل طالب واستاذ وعامل فيها".

5d1e026d2cc56 1KM224425

أضاف: "إنني أدرك مسؤوليتي الجسيمة في موقع رئاسة الجامعة كحلقة من سلسلة رهبان تولوا المسؤوليات في الرهبانية. وفي هذا السياق بالذات، أوجه إلى من تحمل هذه المسؤولية طيلة السنوات الثلاث الماضية، أخي الحبيب الأب جورج حبيقة، تحية إكبار وشكر على ما بذله من أجل إعلاء شأن الجامعة وتعزيز مسيرتها".

وتابع: "أبارك للمسؤولين والأساتذة والموظفين في كلياتكم، لأنهم شاركوا وأسهموا، كل على طريقته، في بلوغكم مواعيد القطاف، وحبذا أن تلبوا آمالهم وتحققوا ما يصبون إليه على الدوام. هنيئا لكم أيها الخريجون والخريجات على ما أحرزتم نتيجة لجهودكم الحثيثة ومثابرتكم على الأبحاث المعمقة والدراسات القيمة خلال سنوات تخصصكم. أنتم اليوم في طور جني الثمر بعد أطوار الزرع وتلقي المعلومات والبحث عنها والتقدم على دروب التحصيل العلمي والاستعداد المهني. بل أنتم اليوم على موعد مع الإبداع الشخصي والعطاء في مختلف الميادين".

وختم: "أيقنوا بأن الجامعة سوف تتتبع خطاكم بشغف، كما عين الأم التي تسهر من بعيد على إنجازات أبنائها وتنتظرهم في حال انتابهم، لا سمح الله أي طارىء أو إخفاق، لتشجعهم وتشدد عزائمهم".

سرحان
بدوره، قال وزير العدل: "وسط الصعوبات التي ترخي بثقلها على هذا الوطن الصغير، وعلى المنطقة بأكملها، يحتفل لبنان بجامعاته تخرج دفعة تلو دفعة من طلابها. وكيف لا نقف بدهشة واحترام أمام هذا اللبنان الصغير، إنهم يستهدفونه كل يوم، ولكنه ينبعث ويحيا كل يوم. وفي الوقت الذي يقبض العنف على الأرض والبشر، ويتنقل من مكان إلى آخر، تنبت الجامعات في لبنان ليتعلم الشباب ويتثقف. إنه لبنان، إنها رسالته: صناعة العلم والمعرفة، والإبحار بهما إلى جميع بقاع الأرض، هكذا كان في عمق التاريخ وهكذا سيبقى".

وبعدما حيا "أهل الجامعة ورئيسها، وكل الساهرين عليها"، أعرب عن شرفه في أن يتحدث في هذه "الجامعة الجليلة، وفي هذا الحفل المهيب"، قائلا: "أعطيتها القليل وأعطيتكم، باعتباري واحدا من أساتذة القانون فيها، وهي التي قدمت لنا أمثولات تخطت بأشواط ما قدمناه، وفي طليعتها القيم الإنسانية والأخلاقية".

وتوجه إلى المتخرجين بالقول: "على مشارف فجر جديد، وغد رافل بالطموحات والأماني، تتوجهون إلى مسارح الحياة مزودين بالوافر من المعارف وبالعالي من المناقب، بسلاح القلم والفكر والبصيرة والحكمة وشغف البحث والتوق إلى العطاء، ولا غرابة لأنكم نهلتم هذه الفضائل من لدن صرح جامعي روحي وطني إنساني ثقافي كبير، وفر لكم علما غزيرا وقيما راسخة".

5d1e026d3dfeb 1KM245541

أضاف: "تتصارع على هذه الأرض اليوم، ثقافتان: ثقافة المعرفة، وأنتم من نتاجها، وثقافة التطرف الديني والإيديولوجي. فبينما يكبل التطرف بكل أوجه الانسان بحدود مصطنعة بينه وبين أخيه الإنسان، تأتي المعرفة، وتمحو كل هذه الحدود. التطرف يفرق، أما المعرفة فتجمع. التطرف ينحدر بكم إلى الأسفل، أما المعرفة فترتفع بكم إلى الأعلى. فما من قوة تحرركم من قشوركم كالمعرفة، إذ كلما غصتم عميقا في المعرفة، اقتربتم من الله واقتربتم بعضكم من بعض وقام لبنان الذي نريده".

وتابع: "لست هنا اليوم لأسدي إليكم النصح، بل جئت أعترف لكم بما تعلمته خلال مسيرتي العملية طوال خمسين عاما خلت لعل في ذلك خيرا لكم. لقد تعلمت أن النجاح في العمل ليس ممكنا إن لم تحب عملك، فالحب هو القوة التي تحرر العمل من التعب والضجر وتملأه فرحا وجمالا. لم تكن طريقي معبدة، بل كانت فيها حفر كبيرة وكثيرة، وهكذا ستكون الطريق أمامكم، غير أنني تعلمت أن الشجاعة ضرورية للوصول إلى نهاية الطريق. فإذا وقعتم يوما في حفرة، وتملككم الخوف، وعدتم إلى الوراء، فلن تصلوا يوما إلى أهدافكم".

وأردف: "تعلمت أيضا أن النجاح يحتاج إلى وقت طويل، فالطريق إلى الأعلى تحتاج إلى جهد كبير وصبر طويل. وتعلمت أن الفشل هو مرحلة يجب أن نمر بها للعبور إلى النجاح. وتعلمت أن المال والنفوذ والشهرة تشكل دون أي شك قوة كبيرة، أما القوة الأكبر فهي أن تمتلك نفسك وتحترمها. كثيرون تمكنوا من تسلق القمة إلا أنهم سرعان ما تدحرجوا إلى الهاوية. لقد جئت لأدعوكم إلى أن تحلموا أحلاما كبيرة، وأحلاما أكبر من الوصول إلى المال والشهرة والسلطة، أحلاما أكبر منكم، إذ انكم تجهلون اليوم ما أنتم قادرون على صنعه غدا".

وقال: "تعلمت أن السعادة هي عكس ما كنت أعتقد عندما كنت مثلكم، يومها كنت أعتقد أن السعادة هي النجاح ولكني عرفت الكثيرين من الذين تمكنوا من الوصول إلى القمة في عملهم ولم يتمكنوا من الوصول إلى السعادة. هذا بعض ما تعلمته أيها المتخرجون، أضعه بين أيديكم، عله يكون ذا فائدة لكم. ولا أخفيكم انني خائف على مستقبل الإنسانية فيكم، التي بدأت تتراجع أمام التقدم السريع والمخيف في علم التكنولوجيا. إذ قد يأتي يوم يعتبر فيه كل ما ليس بالإمكان إدخاله في الكمبيوتر غير موجود بالفعل والحقيقة أن الأشياء الكبيرة في الإنسان غير موجودة في الكمبيوتر، فالحب والمحبة والحنان والرفق والسماح والنخوة والشهامة والكرامة والنبل كلها أشياء من طبيعة الإنسان ولكنها تبقى خارج عالم الكمبيوتر".

أضاف: "أود أن أذكركم بشيء يعني لي الكثير، وهو الولاء. الولاء للأهل، الولاء لأساتذتكم، الولاء للذين ساعدوكم، والولاء للوطن. أرجو أن تغفروا لنا لأن جيلنا لم يبن وطنا يليق بكم وبطموحاتكم، ونأمل أن يتمكن جيلكم من بناء لبنان جديد بحجم عظمة تاريخه وعظمة حضوره في العالم. أيها المتخرجون، اذهبوا اعملوا وازرعوا في الأرض، وطاردوا أحلامكم، ولكن إياكم أن تنسوا يوما من أنتم ومن أين أتيتم، ومن هم أهلكم، وأي أرض في الأرض هي أرضكم".

وختم: "غدا تبدأ مرحلة جديدة من حياتكم وستنشغلون في أعمالكم ولكن خصصوا، كل يوم، دقائق معدودة وارفعوا الصلاة إلى الله وأشكروه على كل ما أعطاكم، ومن أجل لبنان اطلبوا منه "أن يتطلع من السماء وينظر ويتعهد هذه الكرمة التي يداه غرستها ويصلحها". بورك لكم ما حصلتموه من معارف ومبادىء وفضائل، تمتعوا بها وانشروها حيثما تكونون، بذلك تكونون على صورة هذه الجامعة العزيزة ومثالها وعلى صورة لبنان ومثاله".

جوائز تقديرية
ثم جرى توزيع جوائز تقديرية لعدد من الطلاب المتفوقين، فقدم رئيس جمعية موسى بو فرح للوقاية من الموت المفاجىء الدكتور أنطوان بو فرح جائزة الدكتور موسى بو فرح للطالبتين في كلية العلوم دانا علي شرف وكاسندرا سعيد فارس. أما جائزة نقابة المحامين في باريس فقدمها ممثل نقيبة المحامين في باريس ماري ايميه بيرون المحامي جان إيف لوبورن إلى الطالبتين في كلية الحقوق والعلوم السياسية روزابيللا سابا ومارينا إبراهيم. وسلم ممثل نقيب المحامين في كان Caen غاييل بالافوان المحامي جو كرم جائزة النقابة إلى الطالبين ماريلين زغيب وبطرس عماد.

واختتم الحفل بتوزيع الشهادات على المتخرجين.