مطر في تخريج الحكمة الجديدة دفعة من طلابها حملت اسمه: بعض المسؤولين خربوا البلد وهم ملزمون بالإسراع في بنائه
إحتفلت مدرسة الحكمة مار مارون، جديدة المتن، بتخريج دفعة جديدة من طلابها مطلقة على دورتهم اسم "المطران بولس مطر رجل الحوار"، بدعوة من رئيسها الخوري أنطونيو واكيم وبرعاية رئيس أساقفة بيروت ولي الحكمة المطران بولس مطر، وبحضور لفيف من الكهنة والمربين والأهل والوجوه الإجتماعية والهيئات العاملة في المدرسة قدامى وكشافة.
بداية، مرور موكب الخريجين تبعه النشيد الوطني فنشيد الحكمة، ثم رقصة تعبيرية من وحي استلهام الروح القدس، ليطل بعدها التلميذ بيتر جبران في كلمة افتتاح، قبل أن يتعاقب التلامذة: ماريا رحال، جورجيو سعد، جان - بول غصوب، تاتيانا مخيبر، شاهين ورالف يارد على الكلام باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية، باسم زملائهم الخريجين.
وبعد وثائقي عن المتخرجين، قدم الطالب شربل خليل رئيس المدرسة الخوري أنطونيو واكيم، فقال: "يحمل البذور في كفه، ويروح ينثرها، لا في أرض قاحلة، ولا على جوانب الطرقات، بل في الأرض الطيبة. وهذه الأرض ثمرة تعب اليدين، يتابع استصلاحها، يشذب ويقلم، يضع يده على المحراث، ولا ينظر إلى الوراء، يواجه الشمس كي لا يعيقه الظل، ولو كان يعمل فيه". عامل في كرم الرب، ومتاجر أمين بالوزنات، كهنوته رسالة، ورسالته محبة".
واكيم
وألقى الخوري واكيم توجه فيها إلى المطران مطر بالقول: عرفناكم رجل علم مؤمن بالثقافة سراجا ينير دروب الجهل المظلمة، ويقرب المسافات بين البشر على اختلاف معتقداتهم، رجل انفتاح وحوار، تعبرون عنهما، دوما، في أحاديثكم وعظاتكم، في كتاباتكم ومواقفكم التي تعزز ثقافة العيش المشترك، وتدعو إلى التلاقي على صفات الخير التي توائم بين مختلف شرائح المجتمع وأديانه. وإن من يسمعكم خطيبا في المناسبات الرمضانية، يدرك بعدكم المنفتح على الآخر، وحفاظكم على روحية الحكمة في كل أطيافها. وكل هذه جعلتكم عضوا فاعلا في مجمع تبشير الشعوب ولجنة الحوار بين الأديان، في دوائر الكرسي الرسولي، وجعلت الأزهر الشريف يدعوكم، شخصيا، للمشاركة في لقاءاته حول الأديان، فضلا عن تمثيلكم السلطات الكنسية في هذا الإطار. فيا صاحب السيادة، بوفاء حكموي معهود، أسمي دورة التخرج لهذا العام: " دورة المطران بولس مطر، رجل الحوار".
أضاف: ماذا عساي أقول لكم، أيها الأهل الكرام؟ كلنا في الهم واحد. وهمنا أولادنا. فالمدرسة مجسم ثلاثي الأضلاع، قوامه الأهل والإدارة والمعلم في مسيرة هدف مشترك نحو مصلحة التلميذ. وإن تعرضت ضلع للعطب، أصاب الوجع الجسم كله. وإن من يتابع التناغم الحاصل هذا العام، بين الإدارة ولجنة الأهل، والإيجابية السائدة بينهما بروح التفهم والتعاون، يدرك مدى ما تبنيه الإيجابية وما تهدمه السلبية. فالتصرف الواعي والمسؤول أساس كل نجاح. ويا معلماتنا ومعلمينا، بماذا أتوجه إليكم؟ أبالشكر ولا كلمات تكفي، أم بالدعاء وهو الصادق المنطلق من القلب؟ إخترت الثاني، كونه ينطوي على الشكر والاحترام والتقدير. فأنتم رسل العلم، تتحملون عبء الأيام وأثقالها، تتحملون أطباع التلامذة، وما أغربها أحيانا. تختارون بحكمتكم ردة الفعل الفضلى، التي تضع حدا للخطأ الحاصل، بأقل انعكاس سلبي ممكن، وأنتم في قلعة الضمير المحصن، تحتكمون إليه في تعاملكم مع عجينة يمكنكم أن تؤثروا في شكلها، الذي يتأثر، بطريقة أو بأخرى، بطريقة عملكم. فالخزاف يطبع أثره على الطينة بين يديه فرادة وإبداعا. دمتم بهذا العطاء لإتمام الرسالة التي كرستم ذواتكم لها".
وتوجه إلى الخريجين بالقول: "كونوا أوفياء للمبادىء الحكموية، وفي مقدمتها خوف الله، وذاك رأس الحكمة. أنتم العنب المعد ليكون الخمرة الطيبة على موائد الحياة، فابرعوا في كل شيء، وعبروا بصدق وحرية، وثابروا على الكتابة لتطوعوا اللغة، وهذا ما يعيدني عشرين عاما إلى الوراء، مستذكرا ما أوصاني به صاحب السيادة في روما، وأنا، بعد، طالب إكليريكي. أنتم والمستقبل على موعد، فلا تتخلفوا، كونوا على الوقت في كل شيء، فالقطار لا ينتظر، وحدها المحطة تبقى، تردد صدى أمنياتنا برحلة موفقة في دروب الحياة".
لوحة فنية وإطلاق الوعد
وبعد لوحة فنية راقصة، كان طلب قبول المتخرجات والمتخرجين وإعلانهم أبناء الحكمة وبناتها إلى الأبد، فإطلاق الوعد، ثم كلمة مديرة القسم الثانوي، السيدة بوليت عساف التي أشارت فيها إلى وقوف الحكمة إلى جانب الخريجين، وقد أصبحت لهم عنوانا يوميا ومقاما آخر، داعية إياهم إلى أن يكونوا "أمناء لرسالة البابا فرنسيس، على غرار عراب دورتهم المطران مطر، ورسل حوار يعملون من أجل أخوة الإنسانية وخيرها".
المطران مطر
وألقى المطران بولس مطر، كلمة جاء فيها: "أشكرك أيها الأب الرئيس لأنك طلبت من خريجي هذا العام أن يحملوا اسمي؛ فأنتم في قلبي إلى الأبد. واجبي أن أصلي كل يوم، وأنا أصلي كل يوم على نية أبرشيتي، ويجب أن أقيم القداس كل أحد على نية أبرشيتي، واجبي أن أذكر الحكمة في صلاتي، لكني سأذكركم بنوع خاص، وسأرسل إليكم آخر كتاب لي، ليوزع على كل طالب وطالبة".
أضاف: شعار دورتكم: المطران مطر رجل الحوار. وفي سبيل شرح كلمة الحوار، أعود إلى فيلسوف كبير قال إنه يذكر إنسانا عرفه في حياته، وكان خياطه، وفي كل مرة كان يذهب إليه لخياطة بدلة، كان يأخذ له القياس من جديد، بحجة أن الإنسان يتغير، وهو قد يتغير نحو الأحسن أو نحو الأسوأ. طلبي إليكم ألا تحكموا على الإنسان لمرة واحدة. حتى المعلمون والمعلمات قد يأخذون، أحيانا، فكرة إيجابية أو سلبية عن التلميذ من خلال تصحيح أول مسابقة، ولا يعودون يبدلونها، وهذا غلط. فالميزان هو الأساس، ويجب أن نقيم الناس بالاستناد إليه".
وتابع: "الحوار سنة الحياة، بين الإنسان وربه، منذ البدء، عندما خلقنا الله قال لآدم وحواء: لا تأكلا من هذه الشجرة؛ أعطاهما الدنيا وما فيها، وذلك لنذكر أن هناك إلها فوقنا، لا تنقطع الصلة بيننا وبينه، بل يبقى الحوار. فهذا الأخير هو أساس فرحنا، هو صلاتنا، والذي يصلي يصبح جليس الله، وأتمنى أن نبقى جلساء الله. من بنى الحكمة، عنيت المطران الدبس اتخذ شعارها "رأس الحكمة مخافة الله"، وهو لم يقصد الخوف بمعناه الحصري، بل الاحترام. والحوار يكون في البيت، بين الرجل وزوجته، وهو ضرورة أساسية في الحياة، بين أطياف المجتمع والأديان، بين المسيحيين بعضهم البعض، والمسلمين بعضهم البعض، والمسيحيين والمسلمين، والمؤمنين وغير المؤمنين، الدنيا كلها يجب أن تعيش الحوار. وبذلك لا أعود أعطي حكما مسبقا عن الآخر، فلا أستطيع القول: الشعب الفلاني هو كذا، فأنا لا أستطيع التعميم، فلكل صورته، وعلي أن أعرف الآخر كما يعرف هو نفسه، وكما أعرف أنا نفسي؛ لا يمكنني أن أركب صورة الآخر، بل يجب أن يغتني واحدنا بالآخر، فلكل إنسان قيمة، والله أعطى روحه كل إنسان، وكلنا على صورته ومثاله، وإن شوهنا صورة الآخر نشوه صورة الله فينا".
وقال: "تمرسوا بالحوار، ميزوا بين الشعوب وأنظمتها، فلا تحكموا على الشعب من خلال حكامه، فما ذنبه إن هم أخطأوأ. أذكر أنني بمثل هذا الكلام أنقذت الموقف في زيارة حج إلى سيدة لورد في فرنسا، وكنت مرشدا للعائلات، والحاضرون قرابة الستة آلاف، وصدرت عن البعض أحكام عامة أساءت إلى البعض الآخر، وكادت تحرف اللقاء عن مساره، فتدخلت بهذه الروحية التي أنقلها إليكم. فالتقوا بالآخر، تعرفوا إليه، وبعدها تصدرون حكمكم. وهذا الأمر ينسحب على علاقتنا مع الآخر في لبنان، فهذا الوطن لا يبنى بطائفة واحدة، بل نبنيه معا، باحترام الآخر، فالجميع للجميع، وعليهم احترام كرامة كل منهم. وبهذا أوصانا الله في كتبه. فلا شيء يبنى، خاصة في لبنان، إلا بالمحبة، وهذه هي روح الحكمة، المدرسة اللبنانية الوطنية الجامعة، وقد أسسها وطنيون على أساس الاحترام ومد يد التعاون إلى الآخر، وبهذه الروح عينها كانت دعوتي إلى كل من دولة رئيسي مجلسي النواب والوزراء لحضور القداس الذي سأحتفل به في كاتدرائية ما جريس - بيروت لمناسبة مرور 125 سنة على تشييدها. وفي حينه، كانت بيروت ولاية عثمانية منفصلة عن جبل لبنان، وأصر المؤسس المطران الدبس على الانتقال إليها، معبرا أنه مطران أبرشية بيروت، ولا يجوز أن يقيم خارجها، بل في بيروت للتوحيد بين طوائفها".
أضاف: "لدي شعور أنكم إن سألتم ابن الحكمة أينما كان يجبكم هي بيتي. وهي عابرة الطوائف وتجمع الكل. فمن أصل أربعة آلاف طالب في جامعة الحكمة لدينا، مثلا، ثلاثمئة طالب درزي، وهم يشعرون حقيقة وكأنهم في بيتهم، فلا غريب في الحكمة، وكلنا للوطن. مشكلتنا أن بعض المسؤولين خربوا البلد. هذا لا يجوز، فهم ملزمون ببنائه، والإسراع بعملية البناء".
وختم: "أيها الأعزاء، أذكروا الحكمة، ولا تنسوها. يقول داود الملك: "إن نسيتك يا أورشليم فلتنسني يميني. ويقول الشاعر العربي: " لا مرحبا بغد ولا أهلا به إن كان تفريق الأحبة في غد. غدا، ستتوزعون في العالم، أيها المتخرجون. توزعوا ولا تتفرقوا".
ثم اعتلى رئيس المدرسة المنبر، ليقدم لصاحب الرعاية هدية تذكارية، عبارة عن صليب القديس داميان، ممهدا بالقول: " صاحب السيادة، هو الصليب رجاؤنا وعلامة انتصارنا، نقدمه إلى سيادتكم عربون وفاء وتقدير لعطاءاتكم، خلال مسيرتكم الراعوية، وقد أردناه من صنع يد أبناء مدينة الحوار والسلام أسيزي، مسقط رأس القديس فرنسيس، والتي شهدت مشاركتكم في لقاءات حوار الأديان".
ثم كان تسليم الشهادات، مع إعلان السيدة جويل داغر أسماء الخريجين، فانتقال علم الدورة من الحالية إلى التالية، من أيدي الخريجين جان - بول سابا وبسكال لحود إلى أيدي يارا طوق وجول بو داغر، وأغنية الختام، وقطع قالب الحلوى، لينتقل الجميع، بعدها، إلى حديقة مار أنطونيوس للاحتفال بالمناسبة.