اطلاق تقرير لجنة اللانسيت لدى كلية لندن الجامعية حول الهجرة والصحة على المستوى الإقليمي في الجامعة الأميركية في بيروت

أطلقت كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت (AUB) تقرير لجنة اللانسيت لدى كلية لندن الجامعية حول "الهجرة والصحة على المستوى الإقليمي"، حيث التقى ما يزيد عن خمسين خبيرا ومسؤولا رسميا لمناقشة التقرير.

بالارتكاز على السياق الإقليمي، وبهدف مناقشة التحديات المرتبطة بشكل مباشر بهذا الموضوع والتي تطرأ إليها التقرير، تبلورت النقاشات حول "قدرة استيعاب القطاع الصحي:الرعاية الصحية الخاصة باللاجئين والمهاجرين قسرا.

خوري
وأشاد رئيس الجامعة الدكتور فضلو خوري "بما خلص إليه هذا التقرير، مركزا على أهمية مساهمات المؤسسات الأكاديمية في وضع الحلول المستدامة ودعم أصحاب القرار في رسم سياسات مبنية على القرائن العلمية".

وصرح خوري "أعتقد أن أهم ما يمكن للمجتمع الأكاديمي أن يقدمه هو إنتاج الأدلة والاثباتات العلمية المتجددة، وذلك في مختلف الحقول الاجتماعية والصحية والحياتية، وحتى الأدبية وباقي المجالات بهدف الاستجابة للتحديات التي تواجه المهاجرين"، مضيفا "غير أن هذا لا يكفي في هذه المرحلة، فنحن بحاجة لأخذ هذه الحلول لصناع السياسات، إبراز هذه الأدلة التي بحوزتنا، وإعطائهم فرصة تحسين أوضاع المهاجرين".

وقال:"نحن في الجامعة الأميركية في بيروت فخورون بأن نكون جزءا في هذه اللجنة من خلال مساهمات الدكتور فؤاد فؤاد، وبمشاركتنا في لجنة اللانسيت -الجامعة الأميركية في بيروت حول سوريا، والتي تضطلع بشؤون مراقبة ودراسة النزاع في سوريا وتداعياته على المجتمعات الحاضنة".

وأضاف:"إن كلية العلوم الصحية، التي نجحت من خلال أبحاثها المستوحاة من رسالتها في استقطاب أعلى معدلات التمويل للبحث المركز بشكل خاص على االتحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تخلق التفاوتات في الرعاية الصحية، قدمت مساهمات كبيرة وعلى مدى عقود من خلال عدد من المشاريع الهامة التي كان لها أثر ملموس على القطاع الصحي في لبنان والمنطقة"، داعيا إلى "تخطي خيبات الأمل والعمل لغد أفضل".

نويهض
واعتبر عميد كلية العلوم الصحية في الجامعة الدكتور إيمان نويهض أن "استضافة الإطلاق الإقليمي لهذا التقرير هو مصدر فخر للكلية، فهو انعكاس لمركزية قضية الهجرة في لبنان ولنا كمؤسسة أكاديمية."

وأضاف:"قد يكون لبنان مثالا دسما لبلد حددت معالمه الهجرة، ولعل ذلك يعود لصغر حجمه وتاريخه الحافل. غير أن هذا لا يجعله البلد الوحيد، فمعظم دول العالم تمر في تجارب هجرة مماثلة بأنماط متفاوتة".

شرح نويهض "من هو المهاجر؟ كيف يتم تصنيف المهاجرين؟" سأل العميد نويهض، متضامنا مع أعضاء اللجنة، خبراء الصحة العامة، ناشطي حقوق الإنسان، وملايين المواطنين حول العالم الرافضين لفكرة تصنيف ووصم "المهاجرين".

وتابع "على سبيل المثال، قد يكون المواطن السوري في لبنان اليوم لاجئ، ضيف، نازح، هارب من القانون، عامل أجنبي، وعامل محلي. حتى أن معظم السوريين يحملون أكثر من صفة في الوقت نفسه بحسب الأوضاع المختلفة، كما قد ينتقل أي فرد بين فئة وأخرى لأسباب اقتصادية وأمنية وسياسية على المستويات المحلية والوطنية والإقليمية".

وقال:"إن هذه التصنيفات تؤثر على الخدمات الصحية التي توفرها السلطات المحلية والوكالات الدولية الانسانية وتلك التابعة للأمم المتحدة".

واعتبر "بما أن تحديد الهجرة هو عملية ديناميكية وغير ثابتة، يجب تقييم أثر المهاجرين على المجتمعات المضيفة مقارنة بمساهمتهم الثقافية والاقتصادية"، مضيفا أن "النظرة العامة والتدخلات تتأثر أيضا بالذاكرة الجماعية".

وتابع "في عامها الـ153، مرت الجامعة الأميريكة خلال العديد من التغيرات السياسية والسكانية الاقليمية، وقد كان باحثو الجامعة من الرواد في دراسة هذه المواضيع. في كلية العلوم الصحية، والتي تعتبر إحدى أبرز الكليات في مجال الصحة العامة على مستوى المنطقة العربية، لطالما كان التزامنا ثابت في دراسة أوضاع المهاجرين واللاجئين وكيفية تحسين أوضاعهم، وذلك منذ الحرب اللبنانية في منتصف سبعينيات".

وقال نويهض مؤكدا: "أن جميع أعمالنا مرتكزة على قناعة راسخة أن الصحة مرتبطة بشكل وثيق ومباشر بالظروف والخيارات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والسياسية".

وختم "أننا في الجامعة الأميركية في بيروت ملتزمون برسالة اللجنة القائمة على فكرة أنه لا يمكن التصدي للتحديات الصحية التي تواجه المهاجرين سوى من خلال اعتمادنا على مقاربة مبنية على حقوق الانسان".

أبو بكر
وبدوره، حذر رئيس اللجنة البروفيسور ابراهيم أبوبكر من أن "الخطاب الشعبوي والتشكيك في مدى استحقاق المهاجرين في الرعاية الصحية على أساس مفاهيم مغلوطة يدعم ممارسات التمييز والتهميش، ويضر بصحة الأفراد والمجتمع وبالاقتصاد".

وقال:"تشكل الهجرة القضية الرئيسية في عصرنا الحالي. كيفية التعامل مع التنقل البشري ستؤثر إلى حد كبير في الصحة العامة والتماسك الاجتماعي للعقود الآتية"، مشددا على أن "وضع أنظمة صحية تستوعب المهاجرين يشكل إفادة للجميع، حيث أن ذلك يضمن قدرة الوصول للرعاية الصحية لجميع الأفراد، ويعود بالربح على المجتمعات المحلية. إن الفشل في القيام بذلك سيعود بكلفة أكبر على الاقتصادات المحلية، الأمن الصحي، والصحة العالمية، من الاستثمارات المتواضعة المطلوبة لحماية حق المهاجرين في الرعاية الصحية، وجعلهم أفراد متمكنين ومنتجين في المجتمع".

جبور
وأعتبر عضو لجنة اللانسيت والجامعة الأميركية في بيروت حول الصحة خلال النزاع في سوريا والبروفسيور في كلية العلوم الصحية الدكتور سامر جبور أنه "في إطار النزاع المسلح، يجب التصدي لأسباب الهجرة واللجوء القسري، ولا يكفي التركيز حول التحديات التي يواجهها المهاجرون في المجتمعات الحاضنة".

بعد الخطابات الافتتاحية، أقيمت حلقتا نقاش بهدف تسليط الضوء على قدرة تحمل الأنظمة الصحية والرعاية المتوفرة للاجئين والمهاجرين في لبنان والمنطقة.

شارك في النقاش عدد من الخبراء العالميين وممثلين عن المنظمات الدولية والمحلية المعنية بالصحة واللاجئين في لبنان، بما في ذلك مدير عام وزارة الصحة الدكتور وليد عمار، ممثلة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان (UNHCR) ميراي جيرار، عميد كلية العلوم الصحية الدكتور إيمان نويهض، الاستاذ الجامعي في كلية العلوم الصحية ومدير الأبحاث في مركز عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور ناصر ياسين.

عمار
في حديثه عن استجابة الدولة اللبنانية لاحتياجات اللاجئين السوريين، أكد عمار "أن القطاع الصحي في لبنان صلب ويتمتع بقدرة استيعاب واسعة تمكنه من الاستجابة لجميع احتياجات المقيمين في لبنان. غير أن التحديات التي تواجهها الحكومة اللبنانية في توفير الرعاية الصحية الشاملة هي ذات طبيعة إدارية واجتماعية - سياسية وذلك نظرا لصعوبة تحديد المستفيدين، إضافة إلى التحديات المالية، وذلك بسبب الكلفة المرتفعة نسبيا في المؤسسات الصحية الخاصة، والتي تشكل إحدى ركائز القطاع الصحي في لبنان، ارتفاع الطلب على الخدمات الصحية في لبنان بشكل عام، ونقص الدعم من قبل المجتمع الدولي".


جيرار
وأكدت جيرار على أن "المفوضية تعمل بشكل وثيق مع وزارة الصحة في لبنان لتحسين قدرة اللاجئين والمهاجرين واللبنانيين في الوصول للرعاية الصحية الملائمة بأسعار مقبولة. حتى هذه اللحظة، يعمد المهاجرين في لبنان إلى اللجوء للخدمات الصحية في حالات الطوارئ فقط، وهو أمر سلبي يرفع من كلفة الرعاية الصحية بشكل عام، حيث أن الوقاية والكشف والتدخل المبكر هي حلول أكثر فعالية وأقل كلفة".

أما لجهة الدعم الدولي، فاعتبرت جيرار أن "السؤال لا يكمن في كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يساعد، بل كيف يجب أن يساعد."

ياسين
واعتبر ياسين، وهو من أبرز الباحثين في قضية اللاجئين السوريين في لبنان، أنه "ليس هناك أزمة لاجئين، بل هي أزمة قيم".

واستنكر "المقاربة الشعبوية التي غالبا ما يتم الارتكاز عليها في اتخاذ القرارات ورسم السياسات فيما يعني قضايا اللاجئين، والتي تفتقد الدلائل العلمية للأثر السلبي للاجئين والمهاجرين قسرا، وتتجاهل كل المؤشرات العلمية المتوفرة للآثار الإيجابية والامكانيات الاقتصادية لهذه الحالة، فيما لو تم التعاطي معها بطريقة انسانية وعلمية".

وأضاف:"إن هذه السياسات تضر باللاجئين كما المجتمعات الحاضنة المحلية. وينتج عنها حلقة مفرغة من الكلفة الاقتصادية، العصبيات السياسية، التهميش الاجتماعي، والمشاكل الصحية المتفاقمة".

وقال:"إن تغيير المقاربة أمر حتمي. لا يكمن الأمر في توفير الحلول لأزمة، بل في استثمار في مكانيات وضع جديد."