مؤتمر العلوم العدالة الإجتماعية والتنمية المستدامة في البلمند

افتتحت الجمعية اللبنانية لتقدم العلوم وجامعة البلمند، بالتعاون مع المجلس الوطني للبحوث العلمية، مؤتمر "العلوم، العدالة الإجتماعية والتنمية المستدامة"، الذي أقيم في حرم الجامعة في الكورة.


وحضر كل من وزير الدولة بيار رفول ممثلا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، رئيس دير البلمند البطريركي الأرشمندريت رومانوس حنات ممثلا بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الاورثوذوكس يوحنا العاشر يازجي، المطران منير خيرالله ممثلا بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة مار بشارة بطرس الراعي، رئيس الجمعية ومستشار وزير التربية والتعليم العالي البروفسور نعيم عويني، نائب رئيس جامعة البلمند البروفيسور جورج نحاس، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية البروفسور خميسي حميدي، عميد كلية العلوم في الجامعة البروسور جهاد عطية، كبيرة مستشاري حكومة كندا للشؤون العلمية البروفيسورة منى نمر وعدد من ممثلي الوزراء، ورؤساء الجامعات في لبنان وعمداء، وحشد من الباحثين اللبنانيين والعرب والأجانب وطلاب الماستر والدكتوراه.

عطية
بداية مع النشيدين الوطني والجامعة، ثم ألقى عطية كلمة رحب فيها بالحضور وعبر عن فخره "بما حققته جامعتي خلال 30 عاما من تأسيسها حتى صارت في مصاف كبريات جامعات لبنان والمنطقة، وحماس لرؤية هذا الحشد الكبير من علماء بلادي يتلاقون ليتشاركوا الأبحاث ويطلقوا مشاريع بالتعاون مع بعضهم البعض".

وأمل عطية أن "يكون هذا المؤتمر بداية علاقات تعاون بين علماء بلادي ونقطة إنطلاق لشبابنا الذي ينظر إلينا بعين الطامح إلى بلوغ المراتب العالية في بلدهم الذي أحبوه واختاروا البقاء فيه".

وقال: "بإسم الشباب اللبناني، أتوجه إلى حكامنا لأقول لهم إن الثروة الحقيقية للبنان هي هذا الشباب، هذه القوة المخبأة في أدمغتهم وفي أجسادهم فنعرف كيف نفجرها عمرانا وإقتصادا وعلما نرفع به لبنان إلى مراتب الدول المتقدمة. ولقد سبق وفعل ذلك العلماء اللبنانيون في أكثر البلدن تطورا، وخير دليل على ذلك ضيفتنا التي توجتها الحكومة الكندية على رأس علمائها وعهدت غليها برسم سياستها العلمية الدكتورة منى نمر إبنة وادي شحرور التي لم تتردد لحظة عندما طلبت إليها تشريفنا إلى الجامعة لتكون خطيبة هذا المؤتمر".

عويني
وفي كلمة لعويني تساءل: "لماذا عدالة إجتماعة وتنمية مستدامة؟" و"ما العلاقة بين العلوم وهذين الموضوعين؟"، معتبرا أنه "علينا الإعتراف بأن لبنان بات بأمس الحاجة إلى تحقيق العدالة الإجتماعية والتنمية المستدامة لكي يعيش المواطن بكرامة، ولأن هذين الموضوعين مترابطين إذ لا يمكن تحقيق أحدهما دون تحقيق الآخر. أما بالنسبة لعلاقة العلوم بهما، نحن نحتاج إلى أبحاث علمية متطورة على الاصعدة كافة تكشف لنا كيفية تحقيق العدالة الإجتماعية والتنمية المستدامة".

ولفت عويني إلى أن "العدالة الإجتماعية تعني حصول جميع المواطنين، دون تمييز، على جميع المتطلبات الأساسية للعيش بكرامة، كل في منطقته. وهذا يعني الحق في الحصول على المياه النظيفة وخدمات المرافق الصحية، والطاقة، والرعاية الصحية، والأمن الغذائي، والتنوع البيولوجي؛ إضافة إلى تأمين التكنولوجيا والتعليم والتدريب وخلق فرص العمل".

وقال: "تلعب العدالة الإجتماعية دورا مهما وضروريا في تحقيق التنمية المستدامة، إذ عندما يحرم المواطنون من أبسط حقوقهم، تنتهك العدالة الإجتماعية، ما يسبب خللا في التنمية المستدامة وبالتالي يصبح الفرد غير راض بواقعه فيشعر بتهميش الدولة له والإقصاء واللامساواة، ما يؤدي إلى التراجع في إنجاز أهداف التنمية المستدامة، ويتسبب في تفشي حالة المحسوبية والفساد".

ورأى عويني أن "ما نشهده اليوم في الكثير من البلدان من تغيرات في التركيبات الإجتماعية والسياسية بفعل الإنتفاضات الشعبية، ليست إلا ردة فعل على اللاعدالة الإجتماعية" التي سادت في القرون الماضية. وهي أيضاً نتيجة عدم وجود تنمية مستدامة تجعل المواطن يعيش بكرامة، وهذا ما دفع بالكثير من الشباب اللبناني إلى الهجرة نحو الدول الغربية حيث يعيشون حياة طبيعية وبكرامة".

واعتبر أنه "لتحقيق التنمية المستدامة على كل دولة أن تقوم بالتالي: القضاء على الفقر المدقع والجوع، القضاء على الأمية من خلال إقرار إلزامية ومجانية التعليم الإبتدائي، تعزيز المساواة بين الجنسين وإقرار حقوق المرأة كلها، تخفيض معدل الوفيات خصوصا لدى الاطفال، مكافحة أكبر عدد ممكن من الفيروسات تحديدا فيروس المناعة البشرية، وضع بنى تحتية مستدامة، خلق بيئة نظيفة وإقامة شراكة عالمية".

حمزة
بدوره، رأى أمين عام المجلس الوطني للبحوث العلمية البروفيسور معين حمزة أن "الأجواء الإقليمية المضطربة مع ما تسببه من ضغوطات مالية على الإدارة اللبنانية قد بدأت تؤثر سلبا على العديد من برامج دعم البحوث العلمية وإعداد طلبة الدكتوراه، وقد أدى ذلك وللأسف إلى توقف تنفيذ بعض المبادرات الرائدة في التطوير التكنولوجي وخدمة المجتمع. في هذه الأجواء التي يفقد البحث العلمي فيها أولويته في التمويل الحكومي، وبالتالي تخسر إدارات الدولة سندا علميا قيما لا مجال لتجاهله في محاولاتها المتعثرة لمواجهة التحديات البيئية والصحية والتكنولوجية، وخصوصا في سياساتها المعلنة لإيجاد فرص عمل مجدية لأبنائنا والحد من هجرتهم أو الوقوع في أحضان الجماعات المتطرفة".

وقال: "برامج المجلس الوطني للبحوث العلمية والتي بنيت على مبدأ الشراكة الكاملة مع 9 جامعات في لبنان و6 جامعات في فرنسا وكندا وإيطاليا، شراكة وتعاون في كل المراحل من تحديد الأولويات وإختيار طلاب الدكتوراه وتمويل بحوثهم وإنتقاء المشاريع المتميزة وتمويلها مناصفة. وقد بلغ عدد المشاريع الممولة في إعلان 2017-2018، 250 مشروعا من بين 412 مشروع مرشحا للتمويل، بدعم ناهز لأول مرة في تاريخ لبنان خمسة ملايين وثلاثمائة ألف دولار نصفها من المجلس والنصف الآخر من الجامعات المعنية".

ولفت حمزة إلى "أننا على يقين بأن مهمة الجامعي لا يمكن أن تقتصر على التدريس، فوظيفة الأستاذ الجامعي هي أن يحفز طلابه على التفكير المنهجي والموضوعي المستشرف للمستقبل، وأن يثير لديهم شغف الأسئلة والنزعة النقدية".

وختم: "كثيرا ما تطالعنا العديد من الاوصاف التي التصقت بالجامعيين والباحثين، إلا أن الأهم من الألقاب والتسميات التي فقدت معناها، التساؤل المتعلق بالحاجة الماسة إلى الباحثين، أعني حاجة الدولة والقطاع الخاص والمجتمع بكل أطيافه إلى علميين قادرين، على تقديم أفضل الحلول المستدامة لضمان مستوى لائق لمعيشة اللبنانيين".

حميدي
من ناحيته، أكد حميدي أن "أهداف الإتحاد تلتقي وأهداف الجمعية اللبنانية لتقدم العلوم لأن الإتحاد يسعى إلى ترقية البحث العلمي والحفاظ على اللغة العربية وصناعة الإنسان القادر على النهوض بمجتمعه من خلال الأبحاث العلمية".

ولفت حميدي إلى أنه "على الباحث ألا يفقد الإنسان حتى لو كان بحثه مهما والمراتب التي وصل إليها عالية. صحيح أن البحث العلمي يمر بصعوبات حاليا إن من حيث التواصل مع المؤسسات الفاعلة وإن من حيث التمويل".

وأشار إلى أن "الدول الغربية تطورت جدا بأبحاثها لكنها تفقد الهدف السامي ألا وهو الإنسانية، الدول الغربية تصنع الأسلحة الفتاكة لتقتل الناس وتخترع الأمراض والفيروسات من خلال أبحاثها العلمية. البحث العلمي يجب أن يصب في خدمة الإنسان وليس بهدف إلغائه وإنهائه؛ العلوم كلها مترابطة ببعضها البعض لذلك محور أبحاثنا هو الإنسان. الجامعة التي لا تفتح بابا للبحث العلمي فهي جامعة لا يجب أن تستمر، لكن جامعة البلمند تعمل لهذا الهدف".

نحاس
من جهته، أشار نحاس إلى أن "إستضافة جامعة البلمند لمؤتمركم اليوم تحمل اكثر من معنى. فنحن هنا نعلن أن ليس من منطقة في لبنان تختصر العلم والثقافة، أو يمكنها أن تحصرهما فيها. فكل بقعة من بقاع لبنان مدعوة لتكون قلب لبنان، ومنطلقا لكي يلعب هذا البلد دوره في المنطقة والعالم. توزع الطاقات في لبنان في لبنان ضرورة لكي ينهض إنسان هذا الوطن ويواكب التطور الحضاري، ويشار إشتراكا فعليا في صياغة مستقبل شبابه".

وشدد نحاس على "وجه آخر هو خاص في هذا المؤتمر، اعني: إعطاء صفة العلم لكل ما يهم الإنسان، وليس فقط لما اعتدنا أن نسميه العلوم الصحيحة، نظرية كانت أم تطبيقية. فقد طالبت جامعة البلمند، منذ زمن، بأن يطال تعبير "العلوم": العلوم الإنسانية والإجتماعية. ومن دواعي فرحنا أن تكون بعض جلسات هذا المؤتمر مخصصة لمحاور كهذه".

ولفت إلى أننا "شهدنا العديد من التعديات على خصوصيات الإنسان من جراء سوء إستعمال نقانيات التواصل الحديثة، ومن تجاورزات في ما يخص الأخلاقيات في مجال الهندسة الجينية، ومن مجهول في مجال الحريات بسبب تطور الذكاء الإصطناعي، ناهيك عن كل ما يجري على صعيد الإنحباس الحراري بسبب عدم إحترام الطبيعة ونواميسها. طبعا لا يعني ذلك أنني من دعاة عدم تطوير العلوم".

ودعا نحاس "العلماء أن يقبلوا بأن نتشارك في فحص نتائج أبحاثنا ليس فقط من حيث صحتها، ولكن أيضا من حيث مردودها على الصعيد الإنساني والحضاري. فالعوم الاجتماعية، وخصوصا علم الإجتماع، وعلم النفس، والغويات، معنية مباشرة بأي تطبيق لأي إنتاج علمي. في هذا القرن، أدى التجاهل المسبق لهذا الامر، ليس فقط إلى إتساع الهوة بين الشعوب، بل أيضا غلى إستغلال النقانيات الحديثة، خصوصا التواصلية منها، في غير ما أراده لها أصحابها".


نمر
وقدمت نمر عرضا علميا يتناول "بعض جوانب الحالات الوراثية في شرايين القلب مبينة الأبحاث المهمة ومنهجيتها في مختبرها في لبنان وعلى أيدي باحثين لبنانيين من مختلف الجامعات"، مشددة على "أهمية تطوير القدرات للتقدم العلمي والإنجاز كما ركزت على أهمية دور العلماء داخل وخارج مختبراتهم ليقدموا الأفضل لمجتمعاتهم"، مؤكدة "أهمية التعاون بين الجماعات اللبنانية والكندية لدعم الشباب في تطوير أبحاثهم ومسيرتهم العلمية".

في الختام، تم تقديم الدروع التذكارية لمن ساهموا في إنجاح مسيرة المؤتمر.

يذكر أن هذا المؤتمر السنوي العلمي الدولي هو الرابع والعشرين للجمعية اللبنانية لتقدم العلوم، وهو الوحيد في لبنان والشرق الأوسط الذي يجمع الميادين العلمية كافة. وقد أقيم في جامعة البلمند بمناسبة إحتفال القيمين عليها بمرور 30 سنة على تأسيسها.