هل تؤدي طفرة الجامعات الخاصة في لبنان الى خير؟ الخيار المناسب لدخول الجامعة
المهني والمدرسي الذي ينقسم بدوره الى مرحلتين، الأساسية والثانوية. حين يبلغ الطالب سنته الثالثة أي الأخيرة من المرحلة الثانوية يكون قد اختار أحد المسارات الأربعة التّالية: الآداب والإنسانيات، الإقتصاد والإجتماع، العلوم العامة وعلوم الحياة. وينتهي مطاف الطالب بالتّعليم العالي أي الجامعي وهو أكثر ما يهمّ.
ما أن يحصل الطالب على الشهادة الثانوية حتى يقع بدوامةٍ من التّساؤلات حول الخيار المناسب الذي يحدّد المستقبل ومصير العمر. ففي عصرنا هذا، ما عادت تكفي الشهادة الثانوية بل أصبح يتوجّب على الطالب أن يتسلّح قدر المستطاع بشهادات عالية تميّزه عن غيره من الطلاب كي يحصل على فرص عمل مغرية. تلك كانت باختصارمراحل الرحلة الدّراسية لكل طالب في لبنان.
يختلف اختيار الفرع من طالب لآخر إنّما المشاكل التي تواجه الطلاب هي هي نفسها في الـ40 جامعة في لبنان. والخطوة الأولى التي يتوجّب عليهم القيام بها بعد تحقيق النجاح في المرحلة الثانوية هي اختيار الجامعة المناسبة ولا شكّ أنّ هذه الخطوة تعتبر صعبة مع طفرة الجامعات الخاصة في يومنا هذا.
وبعد عدّة دراسات واحصاءات تبيّن أنّ أغلبية الطلاب يختارون الجامعات التي تكلّف كثيرا فماذا وراء هذا الخيار يا ترى؟ ولماذا قد يختارون الجامعات المكلفة ما دامت تتواجد جامعات أقلّ كلفة؟
أسبابٌ عديدة تؤثر على خيار الطالب. فهو يعتبر أنه قضى حياته المدرسية في شبه سجنٍ وما أن يحصد نجاحه و يحصل على شهادته الثانوية حتى يشعر أنه امتلك الحرية.لذا لا شكّ أنّه سيفعل المستحيل حتى يحارب ويناضل من أجل هذه الحرّية. والتأثيرات الأولى ستتمحور حول خيار الجامعة المناسبة التي تليق به وبحرّيته التي يشعر بها حديثاً. وهنا سيصبّ الخيار في خانة الجامعات التي تتبّع النظام الأميريكي لأنّها ترتكز أوّلاً على مفهوم الحرّية. ففي هذه الجامعات، يحقّ للطالب أن يختار المواد وعددها والوقت الذي يلائمه والأستاذ الذي يعجبه... أذاً كيف سيتقبّل الطالب جامعات أخرى تقرّر عنه ما دام هناك فرصة بأن يصبح هو سيّد القرار؟
حرية ومظاهر وانفتاح
كما سبق وذكرنا، الحرّية سببٌ أساسيّ يجذب الطالب؛ إلاّ أنّ هناك أسباباً أخرى أهمّ تستحق الذكر أبرزها السّعي وراء المظاهر وهذه حال عصرنا. فها نحن اليوم، بغضّ النظر عن المواضيع الأكاديمية، لا نستمع سوى لتفاهات غبيّة تحيط بنا كالزواج الذي يتمّ حسب صيت الغنى والمشاكل العنيفة بين الإخوة بسبب الإرث وغيرها. للأسف أصبح أولاد اليوم يربَون على مفهوم المظاهر فكيف سيتقبّل ولد المستقبل يا ترى أن يذهب الى جامعة بناؤها قديم أو شبه مجانية؟ إنّ ذلك يشكّل عبئاً كبيراً عليه ومن الطلاب من يتوقّفون عن العلم حتى يجدوا مخرجاً أو حلاً لمشكلتهم المادية. وما هو جدير بالذكر أنّ أغلبيّة الطلاب الذين لا تسمح مقدرتهم المادّية على دفع أقساط الجامعات الخاصة يطلبون مساعدات ماليّة ومنحاً مدرسيّة أو قد يأخذون أقلّ كميّة من المواد ويقضون حياتهم حتى يحصلوا على شهادتهم من جامعة مكلفة. كل ذلك حتى لا يدخلوا الى الجامعة اللبنانية التي ليست >بقدر المقام<. هل هي العنجهية أم حب المظاهر أم (حالة التفنيص) التي يعيشها اللبناني بكل أشكالها؟! أم هي الثقة بالجامعة الخاصة المكلفة وما تقدمه من مستوى تعليمي؟!
تحتلّ اليوم الجامعة الأميريكية المرتبة الأولى بين الجامعات الخاصة ففيها أكبر عدد من الطلاب، تليها جامعة القدّيس يوسف ، فالجامعة اللبنانية الأميركية، ثمّ جامعة البلمند بعدها الجامعة اللبنانية الرسمية، فجامعة سيدة اللويزة وفي المرتبة السابعة جامعة الروح القدس.
قد ينبهر الطالب بمظهر الجامعة، فهي قد تكون جميلة وكبيرة من الخارج إنّما فارغة من الداخل أي من ناحية المستوى العلمي، كما قد تكون تأسسّت حديثا إلاّ أنّها قد تساوي علميا جامعات أخرى تمّ تأسيسها منذ زمن بعيد (وهذه المسألة علينا الإضاءة عليها في أعداد مقبلة من المجلة).
كيف يختار الطالب جامعته هذه الأيام؟
من أهمّ الأسباب التي تحث الطلاب على اختيار الجامعات المكلفة هو الاهتمام الذي يحاطون به فيها. فبطبيعة كل انسان يختار ما يريحه ويبسّط حياته. وكما هو واضح ومعروف انّ الجامعات الخاصة والمكلفة تعامل طللابها بشكلٍ يختلف عن الجامعة الرسمية فهذه الأخيرة تحشر طلاباً كثراً في الصفوف كما ينقصها التنظيم والجدية في التعاطي مع الطلاب. أمّا الجامعات المكلفة فتغري الطالب بنظامها ومعاملتها المميّزة والجدّية: الحضور إجباريّ، عدد الطّلاب مقبول، الأساتذة يعاملون طلابها بطريقة الاحترام المتبادل، الاختبارات تتمّ شهريا ما يساعد على عدم تراكم الدّروس...
أخيراً، قد يجبر الطالب على اختيار احدى الجامعات المكلفة إذ هناك احتمال كبير أن يرسب في الجامعة اللبنانية فالجميع يعلم مدى صعوبة تحقيق النجاح فيها. حينئذٍ، يبقى للطالب خياران، إمّا أن يختار الجامعات المكلفة أو الجامعات الحديثة الغير معروفة بقدر الجامعات الأخرى . غير أنّ هذه الأخيرة غير محبّذة لأنّه على أساسها لا يجد الطالب عملا أي أنّه لا يعتمد عليها كثيرا فبحسب ما هو شائع أنّ مستواها العلمي لا يضاهي مستوى الجامعات المكلفة التي تعتبر في هذه الحال "حل وسط". وما يدلّ على ذلك أنّ هناك عدداً كبيراً من المتخرّجين الذين يسافرون الى الدول العربية مثلاً للعمل وهناك حين يتلفّظون بإسم جامعتهم الحديثة العهد يتفاجأون بعدم معرفة الناس أو الشركات بهذه الجامعات .
بإختصار، يختار الطالب جامعته وهو يعلم مسبقاً أنّها ستكون مهد مستقبله. في لبنان ثلاثة أنواع من الجامعات: الشبه مجانية أي الجامعة اللبنانية، الجامعات المكلفة والجامعات الحديثة الغير معروفة. أكثرية الطلاب تتوجه نحو الجامعات المكلفة ومع ذلك يطلبون مساعدات مالية، منحاً جامعية أو عملاً في حرم الجامعة لتسديد الأقساط الباهظة. يعود قرارهم هذا لعدّة أسباب أبرزها النظام الأميركي المعتمد الذي يبهرهم بالحرّية، والسّعي وراء المظاهر، الجدّية والاهتمام المريح في الجامعات المكلفة، المستوى العلمي...
لا شكّ أنّ كل ذلك يساهم على ازدياد عدد الجامعات المكلفة فهل تؤدي طفرة الجامعات الخاصة في لبنان الى خير؟ وهل باستطاعتها أن تغيّر وتزيد من قيم المجتمع؟
منتورة نكد
(يتبع في العدد المقبل)