ندوة لمركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية عن البيوت التقليدية: الأبراج الشاهقة تبتلع هدوء البيت التقليدي
عقد "مركز التراث اللبناني" في الجامعة اللبنانية الأميركية LAU ندوته الرقمية التواصلية العاشرة بعنوان "البيوت التقليدية اللبنانية واجهة تراث عريق"، أعدها مدير المركز الشاعر هنري زغيب وأدارها مستضيفا لها رئيس الجامعة الدكتور جوزف جبرا، وحاور خلالها الخبيرين في الفوتوغرافيا والتراث بسام لحود وإدي شويري اللذين عرضا مجموعة صور مميزة من تصويرهما للبيوت التراثية اللبنانية.
زغيب
بداية تحدث زغيب وقال:"بعد مشاهد الأسابيع الأخيرة جاء وقت الخروج من كهوف الحزن إلى وجه المدينة الآخر، حيث خيوط الأمل تطل من بسمة الفجر. من هنا العودة الى تراثنا المعماري الجميل، لا إشاحة عما أصاب أبنيتنا التراثية التي شوهتها الفاجعة (وكنا عالجناها في ندوتنا الماضية قبل أسبوعين) إنما عودة إلى بنائنا التراثي كي نجد البوصلة الأصيلة".
أضاف: "نعود، وفي عودتنا نحمل ذكرى أليمة جرحت ذاكرتنا بغياب سيدة بدأت ترعى بناءنا التراثي قبل نصف قرن، منذ أسست سنة 1960 جمعية أبساد (جمعية حماية المواقع والبيوت القديمة)، وجعلت من قصرها المشرق في شارع سرسق نموذجا لهذا التراث المثال. وعلى مسافة سنتين من احتفالها بعيدها المئة، سقطت قبل أيام تحت ركام قصرها الجميل الذي هشمته كارثة انفجار بيروت. لم تقو أعوامها الثمانية والتسعون على مقاومة الجراح البالغة التي خددت جسدها الضئيل، فأغمضت عينيها إلى الأبد عن وطن عملت له كي يكون جميلا إلى الأبد".
وختم: "تكريما لذكرى هذه السيدة اللبنانية الجليلة، يرفع مركز التراث اللبناني هذه الندوة إلى الليدي إيفون سرسق كوكرن، لا نادبا ولا راثيا، بل مستعيدا حرصها على جمال الأبنية القديمة في لبنان".
جبرا
ثم تحدث رئيس الجامعة اللبنانية الأميركية الدكتور جوزف جبرا وركز على تفرد الجامعة بين جامعات لبنان بإنشاء مركز التراث واحتضانه كي ينشر تراثنا في وجوهه المختلفة وقطاعاته المتعددة"، ورأى أن "المركز فيها إنما يكمل رسالة الجامعة فيكون جسر تواصل بينها وبين المجتمع، فالجامعة ليست مقاعد ومحاضرات وامتحانات بل هي فعل حيوي ضالع في ضمير الوطن والمواطنين".
وردا على سؤال عن واجب "المركز في ما تواجه المناطق الأثرية المنكوبة في بيروت، قال:"عليه تسجيل ما يجري حتى يفعله لاحقا كما يجب، فيكون ذاكرة ناشطة غير حيادية، ويغنم الوطن مما جرى كي يتفادى ما قد يجري"، ودعا "إلى تشجيع الجامعة على دعم المركز بالوسائل المطلوبة كي يظل يقوم بدوره الحضاري".
وعما إذا كان من الممكن إدخال التراث اللبناني في مناهج الجامعة واختصاصاتها، تمنى جبرا على مدير "المركز أن يتقدم من إدارة الجامعة بعرض مفصل معلل وموثق، يبرر فيه أهمية هذه الخطوة، حتى تستطيع الجامعة إدراج التراث اللبناني في مناهجها".
شويري
اما شويري فاشار الى ان "كتابه الجديد بيوت لبنان يتضمن صورا ووثائق عمل على تجميعها ودراستها، بدءا من العهد العثماني مع الخبير النمساوي فردريش راغيت الذي اكتشف، تعاونا مع جمعية "أبساد"، أوائل أنماط البيت اللبناني التراثي، فإلى الفترة الفرنسية مع الخبيرين الجامعيين سمعان كفوري وروبير صليبا ودخول القرميد إلى البيت اللبناني".
وعن فترة الاستقلال وما بعدها، شرح شويري تطور العمارة متعاونا مع الخبير الآخر جورج عربيد في دراسة الواجهات والداخل وما لحقهما من تغير في الأنماط الهندسية، وصولا إلى فترة الحرب في لبنان. أما الفترة الحالية، بعد 1975 حتى اليوم، فدرسها شويري مع الخبير برنار خوري حول ما نشهده حاليا من تزاوج بين العمارة التقليدية وأنماط أجنبية تتوافد إلينا من كل العالم".
لحود
بدوره، بدأ لحود مداخلته من البيت التقليدي اللبناني قبل المسيح، أيام كان البيت مربعا أو مستطيلا من قطعة واحدة، يقال له المد، ثم بدأت تتنازعه أنماط خارجية وفدت إليه من توسكانا والبندقية، وأنماط فارسية وشامية الشرقية، إلى منتصف القرن التاسع عشر. وانتشرت على السطوح ظاهرة القرميد (معظمه من مرسيليا - ماركة النحلة).
وقال:"التأثير العثماني كان ضئيلا على عكس ما يعلل الكثيرون ذلك إبان أربعة قرون السلطنة العثمانية في لبنان. وفي النصف الآخر من القرن التاسع عشر دخلت الأنماط الفرنسية وبقيت حتى عشرينات القرن الماضي مع دخول الإسمنت العاري إلى تصاميم الحجر. بعدذاك أخذ البيت اللبناني يفقد تدريجيا طابعه الخاص بدخول الهندسات العالمية (الألمانية في معظمها والأميركية) واختراق الزجاج داخل البيوت ومداخلها وخارجها"، لافتا الى ان "الأبنية العالية والأبراج الشاهقة اخذت تبتلع هدوء البيت التقليدي اللبناني وتنزع عن الأحياء التراثية طابعها التقليدي كما في منطقة الجميزة ومار مخايل والجوار، وهي شاهدة على نهضة لبنان معماريا بعد المتصرفية، وازدهار مرفأ بيروت الذي أدخل على لبنان نهضة غير مسبوقة".
الهوية اللبنانية
وفي ختام الندوة ركز زغيب على "أهمية حفظ التراث المعماري اللبناني لأنه وجه رئيس من الهوية اللبنانية التي مهما تعصرنت وتقدمت مع الأنماط الأجنبية، يجب أن نحافظ عليها لأنها صدى تاريخنا للأجيال المقبلة".
ثم كانت مداخلات وأسئلة إلى لحود وشويري وجهها متابعو الندوة من لبنان والخارج.