مطر احتفل بقداس افتتاح السنة الجامعية في الحكمة: لبنان ليس رسالة بجغرافيته وحسب بل بشعبه وتطلعه نحو مستقبل شريف للمنطقة بأسرها

احتفل رئيس أساقفة بيروت ولي الحكمة المطران بولس مطر بالذبيحة الإلهية في جامعة الحكمة لمناسبة افتتاح السنة الجامعية الجديدة، يحيط به رئيس الجامعة الخوري خليل شلفون ونائباه الخوري دومنيك لبكي وريشارد أبي صالح وعميد كلية العلوم الكنسية الخوري طانيوس خليل، بمشاركة النائب نديم الجميل، الرئيس السابق للجامعة المونسنيور كميل مبارك وشخصيات سياسية وقضائية وقانونية ونقابية وحزبية واجتماعية، وعمداء الكليات وأساتذة وطلاب.

بعد الإنجيل المقدس، ألقى مطر عظة تحدث فيها عن جامعة الحكمة وتاريخها وحاضرها ومستقبلها، وأشاد بجهود العاملين فيها، وقال: "هو تقليد درجت عليه الجامعات الكاثوليكية أو الكنسية بأن يقام قداس نسميه قداس الروح القدس، أو قداس دعوة الروح القدس في مطلع كل عام جامعي مستلهمين الله وحيه وإلهامه، وأنعامه علينا ليجيء هذا العام ببركات وفيرة بنعمته تعالى على الجامعة وطلابها وعلى الوطن كله".

أضاف: "في بداية السينودس من أجل الشبيبة الذي اختتم يوم الأحد الماضي في روما، افتتح قداسة البابا فرنسيس الكلام قائلا: أذكركم بما قاله النبي يوئيل حين قال: في تلك الأيام أفيض عليكم من روحي فيتنبأ بنوكم وبناتكم، ويرى شبانكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلاما. وشرح بهذا المعنى أن الشباب هو على موعد في هذا السينودس والكنيسة معهم، مع الروح القدس الذي يرينا طريق الحياة. نحن بحاجة إلى رؤية في حياتنا، نحن بحاجة إلى الحقيقة بكاملها. طبعا عقلنا قادر على الوصول إلى الحقيقة ولكن ليس إليها بكليتها، يبقى سر الحقيقة مخفيا إلى أن يكشف الحق نفسه وهو الله، والله لا نعرفه معرفة كاملة إلا إذا كشف نفسه".

وتابع: "في الجامعة نأتي اليوم طلابا ومعلمين وإدارة وأهل وأصدقاء، مع أننا في جامعة تسعى إلى الحقيقة، نأتي لنجتمع حول مذبح الرب ونسأله أن يعطينا حقيقته وأن يعطينا حقيقة ذواتنا، منه نستقي الحقيقة الكبرى. وقداسة البابا فرنسيس في رسالته الأخيرة عن القداسة، ينبهنا إلى خطر تأليه المعرفة البشرية وتأليه الإرادة البشرية بحيث نظن نحن أننا عارفون وبما أننا نحن العارفين نعرف كل شيء، فنستعبد كل شيء ونؤله نفوسنا بدل من أن نعترف بألوهية الله. هذه الخطيئة سميت في بداية الكنيسة الغنوصية خطيئة المعرفية المؤلهة عند البشر بحيث أنهم يحاولون إمساك الله والتحكم بمصيره هو بدل أن يتحكم هو في مصيرنا. وهكذا عن الإرادة البشرية في شطط حدث في بدايات الكنيسة مفاده أن الإرادة البشرية هي أساس الخلاص، أنا أخلص ذاتي بأعمالي أخلص ذاتي وليس بالنعمة. أنا بأعمالي كلها لن أستطيع أن أشتري السماء حتى ولو أتي الخير كله على يدي، السماء تبقى أكبر من كل هذا الخير، الخلاص إما أن يأتي مجانا من الله وإما لا يأتي".

وأردف: "في هذا القداس ننحني أمام العزة الإلهية ونقول له يا رب، أنت مصدر الحقيقة والخير، أنت مصدر حياتنا، نحن مسؤولون أمامك عن كون أردته أن يبنى بواسطة قوانا ولكن بنعمتك التي تؤهل هذه القوة أن تكون قوة. فمد لنا يد العون وساعدنا في هذا العمل الذي نقوم به، لهذا يكون القداس في مطلع هذه السنة وكل سنة لتوضع الأمور في نصابها ونعرف كيف نصل إلى غاياتنا وكيف أن الرب يعيننا في كل ذلك ويفرح بنا ننجح ونكمل بناء هذا العالم بروح الملكوت. بهذه الروح عقد المجمع السينودس من أجل الشبيبة، لأن الكنيسة تعتقد أن الشبيبة هم أمل جديد للعالم، هذه الشبيبة إذا ما عرفت بعضها بعضا، إذا ما تواصلت مع العالم كله، إذا ما عرفت معنى القيم والخير والعدل والسلام والمساواة، وإذا ما تضامنت بروح الله، تصبح هذه الشبيبة، أملا جديدا للدنيا وفرصة مستعادة من أجل عالم أفضل".

وقال: "ألا تؤمنون معي، أن شبيبتنا في لبنان هم أيضا أمل جديد للبنان لهذا الوطن الغالي؟ جيلنا أعطى، وأعطى كثيرا. والأجيال التي سبقت أعطت أكثر ربما، ضحينا كثيرا من أجل أن يكون لنا وطن. وأنتم تعرفون أننا بعد سنتين سنحيي المئوية الأولى لقيام دولة لبنان الأولى. ماذا جرى بعد مئة سنة على هذه الدولة؟ أين هي اليوم؟ الجيل الذي أعطى هذه الدولة وفي مقدمتهم آنذاك البطريرك الياس الحويك، هو جيل ضحى في لبنان وخارجه، من أجل أن يكون لنا مكان في الدنيا تحت الشمس وأن يكون لنا وطن عزيز ولو تحت الإنتداب زمنا يسيرا. ثم أتى الإستقلال، ثم ضيعنا أمورا كثيرة ثم استعدنا مستقبلنا لعله يصير مشرقا".

أضاف: "ما هو دور الشباب الطالع، كيف يقاربون هذه الامور؟ كيف يصححون الأخطاء التي حصلت؟ كيف نتحاشى الأخطاء حتى لا نقع فيها من جديد؟ ما هو تصورنا للمستقبل حتى يكون لبنان في مقدمة دول المنطقة وهو من أقدم الدول في هذه المنطقة ودستورنا من أقدم الدساتير في هذه المنطقة كلها، وأهل الحق يعرفون أن الدستور اللبناني محترم إلى اليوم، ولكن هل هو مطبق في الحياة أو يجب تعديله؟ هل نكون دولة خارج الدستور أم نكون دولة تحافظ على الدستور بما يتلاءم مع الحياة وتطوراتها؟ هذا ما يجب أن تقوم به الجامعة من تفكير من أجل المستقبل. لا تكون الجامعة جامعة بكلية واحدة، الكلية الواحدة ترى جزءا من الأمور. الكليات كلها بتعاونها وتعاضدها حتى في البرامج هي الحقيقة بكاملها. ولذلك الجامعة، كجامعة هي مسؤولة عن هذه المصير، مصير الوطن بالفكر والرؤية".

وتابع: "هكذا نقدر نعمة الله القائل في الكتاب المقدس، يرى شبانكم رؤى جديدة، يتعرفون على الحق الذي من الله. وطننا قال فيه البابا القديس يوحنا بولس الثاني، إنه رسالة، أكثر من وطن. فهل نحن حاملون هذه الرسالة؟ هل نعيش في وطننا داخل جدران هذا الوطن بروح هذه الرسالة؟ أم نحن مقصرون عن هذه الرسالة، بالعيش المشترك الكريم بين جميع الأطياف، بالسلام والوئام واحترام الرأي العالم والخير العام لجميع الناس؟ بجعل الخير العام يفوق الخيور الخاصة كلها؟ هل نحن نعزز هذه الرسالة، نجعلها أكثر إشعاعا بين أيدينا أو سقطت من أيدينا، لا سمح الله، أو تكاد تسقط؟".

وقال: "لبنان ليس رسالة بحجارته ولا بجغرافيته وحسب، لبنان رسالة بشعبه وإيمان أبنائه، بتطلعه نحو مستقبل شريف لهم وللمنطقة بأسرها. لذلك علينا مسؤولية كبرى في جامعة، كجامعة الحكمة، أن نحافظ على هذه الرسالة وأن نحملها بشرف أمام الله والناس. كل هذه الأمور نضعها على بساط البحث وفي هذا القداس، نضعها في كأس القربان لنرفعها إلى الله أمنيات بأن تتحقق بنعمته تعالى".

أضاف: "لهذا قداسنا اليوم لجهد روحي وعلمي وثقافي وإنساني، لجهد شبابي طالع، لتكونوا أنتم الشباب فرصة لبنان الجديدة. أنتم الأمل، أنتم الذين ستحكمون لبنان بعد سنوات. ماذا تحضرون لتلك اللحظات الحرجة والأساسية في تاريخ الوطن الآتي؟ كل ذلك يبدأ في الجامعة وفي ضمير كل إنسان وفي ضمير كل معلم وطالب، حتى تصل الأمور إلى الغايات المنشودة. وطننا بحاجة إليكم وإلى جامعاتنا جميعا. وجامعاتنا مسؤولة عن تقديم ما هو الأحسن لكم، من علم وبحث عن العلوم وجو صالح للتخاطب وللحوار الأخلاقي والوطني والإنساني. وأنتم أيضا مسؤولون بما أعطاكم الله من مواهب حتى تكملوا نعمة الله عليكم. الجامعة وأنتم واحد، وهي لكم وأنتم ضمن الجامعة أبناؤها، أعزاؤها من أجلكم كانت الجامعة وستبقى".

وتابع: "نطلب من الله أن يباركنا جميعا وأن يبارك مقاصدنا في هذا العام الجامعي الجديد وأن يقوينا في كل بحث عن وجهه القدوس في كل تطهير لذاتنا ولأفكارنا، فننكب نحو المستقبل بإيمان ورجاء ثابتين. ونسأل العذراء مريم، شفيعة المسيرة الإنسانية كلها أن تستمد لنا الرحمة من إبنها، فنكون كلنا صفا واحدا. الغنوصيون في تلك الأيام قسموا الناس بين العارفين والجهال الذين لا قيمة لهم. في المسيحية لم نقبل ذلك على الإطلاق، كل إنسان يقاس، لا بمعرفته أساسا بل بحبه، الحب هو المقياس. والإنجيل الذي سمعتم، لا يحدثنا عن معرفة، بل عن فقراء ساعدناهم، جائعين أطعمناهم، عن مسجونين زرناهم. أي سيحكم علينا إنطلاقا من المحبة التي في صدورنا والمحبة ليست حكرا، لا على الأقوياء ولا على العالمين. المحبة هي هبة مجانية من الله لكل إنسان".

وأردف: "في رسالة البابا أمر إساسي، ذكر عن رسالة كتبها فرنسيس الأسيزي إلى القديس أنطونيوس، معلم اللاهوت، قال له: إياك أن تعلمهم اللاهوت بشكل يجف معه قلبهم ولا يعودون للصلاة أبدا. دعهم يصلون، ينفتحون على الرحمة، على الحب. هكذا نخلص. فليكن فينا التوق إلى المعرفة، لكن قبل المعرفة إلى المحبة، المحبة والمعرفة تتلازمان. هما صورتان عن وجه الله وقلبه".

وختم: "بارككم الله، بارك جامعتنا والعاملين فيها وطلابها الأحباء وهذا الوطن ولتكن سنتنا هذه، سنة مصالحة وغفران وتقارب وخير لجميع اللبنانيين، لننطلق من جديد والله يساعدنا في كل ذلك له المجد إلى الأبد".