الملتقى الثقافي المصري اللبناني في جامعة بيروت العربية الكلمات دعت الى بناء الانسان العربي القادرعلى قيادة دولنا
عقد الملتقى الثقافي المصري - اللبناني الثاني مؤتمرا بعنوان: "الثقافة في العالم العربي من التفكيك الى اعادة البناء"، بدعوة من رئيس جامعة بيروت العربية البروفسور عمرو جلال العدوي، وبالتعاون مع مؤسسة "الأهرام" والجمعية المصرية - اللبنانية لرجال الأعمال، في قاعة جمال عبد الناصر في حرم الجامعة في بيروت، في حضور النائب عمار حوري ممثلا رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري سفير جمهورية مصر العربية نزيه النجاري وشخصيات سياسية وتربوية.
سامي
بعد النشيدين اللبناني والمصري وفيلم قصير عن جامعة بيروت العربية ثم تقديم لريما شهاب، القى مدير مؤسسة الاهرام عمر احمد سامي كلمة، عن مؤسسة الاهرام التي أسسها اللبنانيان الاخوين تقلا العام 1875، مشيرا الى "التحديات الخطيرة التي تتعرض لها الامة العربية وما يتهدد مستقبل هذه الامة ودور الثقافة والمثقفين في مواجهة هذه التحديات. كما تقوف امام الازمة التي تهدد الصحافة العربية المكتوبة.
فوزي
من جهته، اعتبر رئيس الجمعية المصرية - اللبنانية لرجال الاعمال فتح الله فوزي "ان هذا الملتقى هو جسر تعاون للعلاقة الثابتة والمشرفة بين مصر ولبنان". ودعا الى "التحرك الفعال لمواجهة ظواهر التفكيك في وطننا العربي وخصوصا الارهاب".
العدوي
ورحب رئيس الجامعة الدكتور العدوي بالحضور، وقال: "على امتداد خمسة عقود ونيف اصبحت جامعة بيروت العربية، نموذجا للتكامل العلمي بين الشعبين المصري واللبناني تحقيقا للهدف الاسمى، وهو توفير التعليم العالي لشريحة واسعة من الشعب اللبناني والعربي، وتجسدت صرحا متميزا، ومركزا علميا مؤثرا استقطب آلاف الطلاب، لينهلوا من روافد العلم والمعرفة على ايدي نخبة من الكفاءات العلمية المتخصصة، وهي ثمرة طيبة لفكر متنور ونموذج للتعاون بين الشعوب العربية".
وأكد "ان الثقافة، باعتبارها مجموع السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية وما تتضمنه من طرائق الحياة والتقاليد والمعتقدات والفنون والآداب، هي في نبض وحراك كنبض الحياة، تنمو وتثمر من خلال المبادلات الفرجية والجماعية، فهي النواة الحية للشخصية الفردية والجماعية، والاداة لتحقيق الهوية الجماعية، ووسيلة المجتمع للاستمرار الحضاري، من خلال تعلم التاريخ واللغة والمعتقدات والعادات والتقاليد، وبممارسة هذه الانماط الثقافية، فإن الخصائص العقلية والنفسية المشتركة تتزايد بين افراد المجتمع، وتتعمق، فيحدث التماسك ويتحقق السلام الاجتماعي".
وقال: "ان جامعة بيروت العربية كانت دائما جسرا للتواصل الثقافي بين مصر ولبنان منذ نشوئها في الستينات، وهي تحرص دائما على حيوية التبادل الثقافي العربي واحتضان الطاقات والمشاريع التنموية التي من شأنها رفع المستوى العلمي والفكري، وخلق مناخات للحوار الابداعي سواء في العلوم التطبيقية او الانسانية".
النجاري
بدوره، اشاد السفير المصري بدور جامعة بيروت العربية وتطورها العلمي، مركزا على أهمية هذا الملتقى "لما تشهده دولنا العربية من تهديد مباشر لامنها الوطني وتعرضها للتفتت سواء في سوريا او اليمن وغيرها"، مشيرا الى "دور الارهابيين والارهاب وخطره الفكري الجاثم على صدور شعوبنا"، داعيا الى العمل على استحضار صحوة عربية تواجه هذا الخطر".
وقال: "لا ينقص الشعوب العربية سوى الارادة للخروج من هذا التفكك الذي دخلته منذ سنوات"، مشيرا الى "دور الثقافة الايجابي لمواجهة جماعات وربما دول ذات فكر مريض".
وأثنى على "العلاقات التاريخية بين لبنان ومصر ودور النخب في هذين البلدين منذ اواخر القرن التاسع عشر".
وشدد على "ثقافة قبول الآخر وغرس القيم، وإحداث نهضة في مجال التعليم والمعرفة ، ولا سيما في مجال التكنولوجيا"، وطالب "المؤسسة التعليمية بتعميق المعرفة والقراءة وليس فقط الحصول على تعدد مصادر المعلومات".
ونوه "بدور الازهر في مجال نشر الدين الواعي والمعتدل"، لافتا الى "ايجابية المؤتمر الذي عقده البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في هذا المجال".
واكد "ان الدولة الوطنية هي ملجأنا جراء هذه الازمات الحالية، كما انها لا تتعارض مع المفهوم القومي للعلاقات العربية".
المشنوق
ثم تحدث الوزير السابق محمد المشنوق، فقال:" يأتي ملتقانا اليوم في ظروف ملحة وسط مجموعة محاولات تسعى لفتح كوة تفاؤل بعد ان لاحت بوادر انحسار في صراعات الربيع العربي. انها بداية البحث عن ثقافة بناء الدولة الوطنية ذات الهوية التوحيدية. انها محاولة لملمة مجتمعات شتتها الصراع، فاختارت حقن الدماء والاذعان لسلطة الارهاب حينا وسلطة القمع احيانا وسلطة الفوضى الدائمة المواكبة".
وتابع: "نحن اليوم امام خيارات محدودة حيث عادت الدولة تتلمس الاستقرار والنهوض الاقتصادي واعادة الاعمار، ونحن نترقب بقلق حيث الدولة داخل غرف المساومات الصعبة والتنازلات التراجعية والمفاوضات بين الكبار والصغار والباحثين عن ادوار في المستقبل. هذه هي ثقافة الصراحة والواقعية قبل الغوص معكم في الرؤى والافكار والطروحات لاعادة بناء الثقافة العربية. سأبدأ ناقدا وأختم بناء".
ولفت الى "افتتاح متحف نابو في بلدة الهري في شمال لبنان الذي يحتوي على تماثيل من العصور القديمة ولوحات من القرن الماضي وفنونا تشكيلية معاصرة، صاحب المشروع جواد عدرة يملك الارض والبناء الضخم الاحدث تجهيزا على مستوى المتاحف العالمية، وضع كل امكاناته المادية ليقدم للمواطنين في هذه المنطقة معلما ثقافيا مميزا دون ان ينتظر جزاء او شكورا..هذا الانسان المثقف قام بعمل تتصدى له الدول عادة لا الافراد ولم يقف لينتظر نهوض بلده أو تشكيل حكومة طال انتظارها او حلولا عجائبية في منطقتنا المضطربة.
وقال: "أتطلع حولنا في العالم العربي حيث دارت حروب وتهدمت انظمة واختلطت القومية بالعرقية والطائفية والايديولوجيات الاستبدادية المتطرفة، فأجد بعضها قد انتهى بينما الاخر ينتظر التسويات. ولكن كل هذه الشعوب اصيبت بصدمة في كيانها الثقافي وتحتاج الى معالجة جذرية تدرك واقعية المشكلة واخطارها وتدرك ان البناء هو الاصعب بعد التفكك والتهديم".
اضاف: "لقد غابت محاولات تحييد الثقافة عن الصراع الدائر مباشرة او مداورة، لان مشاريع تفكيك الدول تحرص على تقديم الرؤى الثقافية التي تروج لشعاراتها مما خلق تضاربا وتناقضا بين الاسس الثقافية في قوالبها التقليدية وبين الشعارات التي جنحت نحو التطرف. ولذلك فمن واجبات المثقفين المناصرين لانتفاضات الربيع العربي او ضحايا هذا الربيع ان يطوروا مقولاتهم النظرية لمنع السقوط بالتناقضات بين حرياتهم الثقافية وضغوط الانظمة التي يدعمون او تعسف السلطات المناوئة التي تريدهم تحت سلطانها".
وعن كيفية المواجهة، قال: "يحتاج البناء الثقافي لصياغة تفصيلية لمفهوم التغيير وجعله اكثر قومية"، مؤكدا "ان الثقافة تبدأ بالعائلة والمدرسة والكلية والجامعة. عليكم بالتربية ثم التربية ثم التربية، بمناهج جديدة تدمج الفكر الثقافي الجديد بمواد التعلم. طبعا هذا كلام يتجاوز اشكالات الربيع العربي ولكنه يبقى الضمانة في هيكلية مجتمعاتنا العربية".
واوضح "ان صراع الثقافات برز في الاساس من الزاوية السياسية، وتحول الى الجانب الاجتماعي والثقافي، وفي الجانب المعرفي تحول الى صراع حول القيم وسط ثورة المعرفة. ومن مظاهر هذا الصراع كانت الاصولية في بعض مظاهر العنف في دول عربية معينة، ومنها كذلك بروز الجماعات الاسلامية المعتدلة".
ورأى "ان العولمة تبرز في محاولاتها لرسم عالم واحد وفرد مواطن واحد ينتمي اليه. وقد تبدو هذه المحاولة في اطارها الانساني مفيدة في الحقوق والمواطنية والقيم، ولكنها في مفهوم العولمة الثقافي ومفهومها الاعلامي تتحول الى عملية تصفية للهوية والقومية والفرادة التي تميز شعبا او مجموعة، او اطارا وطنيا متميزا عن الغير او الآخرين".
وقال: "في لبنان، ومنذ بداية القرن العشرين، كانت المحاولات تركز دائما على فرادة لبنان عن الدول الاخرى، وعلى فرادة اللبناني عن غيره حتى كادوا خلال الحرب التي انطلقت عام 1976 وحتى عام 1990 يتحولون الى لبنانيين بلا لبنان، والى مجموعة من البشر المتميزين القادرين على كل شيء الا على العيش في وطن واحد يستطيع ان يجسد كل امانيهم"".
اضاف: "وكما سقطت القوى اللبنانية الحية في اتون الانقسام الطائفي في الحرب، وجدت نفسها في اتفاق الطائف الذي انهى الحرب ويحاول ان يكون دستورا فعليا للوطن الرسالة ويبدأ حوار تحت عنوان اقامة الوطن الرسالة".
ورأى "ان الصيغة التوافقية في لبنان ما تزال صامدة رغم ارتدادات الربيع في السياسة كما في الثقافة، ولكنها تبدو توافقية المظهر، خلافية الجوهر، تنطلق في كل لحظة بين مفاهيم اللبنانية والعروبة، وتتكيف في كل لحظة ايضا مع صيغ التعاون مع الدول العربية دون ان تسعى الى الذوبان في صيغ اخرى".
وختم قائلا: "بين الصيغ الوطنية والقومية والعالمية تبدو الثقافة العربية بحاجة الى انتاج ما يستطيع الانسان العربي والشعوب العربية ان ينطلق منه في توازن لا يمكن تجاهله ليتخطى الانعزال وليبقى في مجتمعات حية لا تتجاوزها الحداثة. تريدون بناء ثقافيا جديدا، اذا لنتواضع ونبدأ ببناء الانسان العربي الجديد القادر على قيادة دولنا الى حيث طموحنا".
قباني
من جهته، رأى الوزير السابق الدكتور خالد قباني "ان الموضوع المطروح للبحث، يضعنا امام اشكالية كبيرة يقع فيها عالمنا العربي وهي إشكالية بناء الدولة الوطنية او الدولة المدنية". وقال: "عندما نتكلم عن الدولة الوطنية نعني الدولة التي تقوم على مفهوم المواطنة، اي الدولة التي ينتسب فيها الفرد الى وطن ودولة، ويكون ولاؤه الكامل للدولة التي ينتمي اليها".
وأكد "ان بناء الدولة الوطنية او المدنية التي يخضع فيها الجميع، حكاما ومحكومين، لاحكام القانون، لا يمكن ان تتأسس الا اذا استطاع المجتمع السياسي فيها ان يرتقي الى مستوى من النضج والوعي المعرفي والفكري والسياسي، قوامه ثقافة المواطنة وثقافة الحوار وثقافة الديموقراطية وثقافة التسامح وقبول الآخر، والثقافة السياسية والثقافة الدستورية، وكل هذه الثقافات تتكامل مع بعضها البعض لتشكل الارضية الصالحة لبناء الدولة الوطنية ودولة المؤسسات".
ورأى "ان البناء الديموقراطي والثقافة الديموقراطية يشكلان حجر الزاوية في تكوين الدولة المدنية، ويعتبر المجتمع المدني ركنا اساسيا من اركان قيام الدولة الديموقراطية، التي تقوم على قيم الحرية والمساواة والعدالة واحترام القانون وصون حقوق الانسان والكرامة الانسانية، لان المجتمع المدني هو عنوان الديموقراطية والحكم الرشيد".
وقال: "الديموقراطية بمفهومها التقليدي تؤمن مشاركة المواطن في الحكم، وهو ما يتم عبر الانتخابات النيابية التي تتيح للشعب اختيار ممثليه في البرلمان، بما يعرف بالديموقراطية التمثيلية، ولكن الديموقراطية في عصرنا الحاضر، تخطت هذا المفهوم التقليدي لمعنى الديموقراطية، وبات دور الشعب ان يشارك مشاركة فاعلة بادارة الشأن العام وادارة الدولة".
واكد ان للشعب إرادته المستقلة، حتى اذا ما أساء نواب الامة او حكامها التعبير عن ارادة الشعب، فانه يعود له بما يملك من سيادة وحق وارادة متميزة، ان يعبر عن هذه الارادة بشتى الوسائل والطرق الديموقراطية المتاحة، وهنا يبرز دور المجتمع المدني المتحرر من الوصاية السياسية الذي يلعب دورا حيويا في تعبئة طاقات الامة، وفي تحريك القوى الفاعلة في المجتمع، من جمعيات ونقابات واحزاب وصحافة وإعلام واندية فكرية وثقافية، وجامعات ومراكز أبحاث"، معتبرا ان "هذا الدور الذي يلعبه المجتمع المدني بما يملك من ثقافة، يوازي سلطة الحكومة ونفوذها، بحيث يكون العين الساهرة والرقيبة على ممارسة الحكم".
وقال: "تؤكد التجارب، ان لا بديل للمواطن عن الدولة، ولا يمكن لسلطة مهما اوتيت من القوة او القدرة ان تحل محل الدولة، او تؤمن الحماية للمواطن".
وتابع: "بات من المسلم به ان دور الثقافة، ولا سيما ثقافة المواطنة والثقافة الديموقراطية والثقافة الدستورية، حاسم في بناء الدولة الوطنية او المدنية"، مشيرا الى "ان الاوضاع في عالمنا العربي، تثبت ان الديموقراطية لم تتعد اطار النهوض والشكليات والهيكليات القانونية، وان الثقافة الديموقراطية بأبعادها ومضامينها، لم تكن كافية لاحداث التغيير المطلوب او الاصلاح المرتجى".
ورأى "ان مفهوم الديموقراطية في عالمنا العربي لم يلامس العقول او القلوب، وهذه المعضلة تكاد تكون مشتركة في الانظمة السياسية في منطقتنا العربية، حيث هناك هوة واسعة بين النص وتطبيقه، وبين وجود القاعدة القانونية والالتزام بها. وهذا التناقض يظهر حجم المأساة التي نعيشها في عالمنا العربي، والتي تؤكد هذا النقص الكبير في الثقافة الديموقراطية بل في الثقافة التربوية مضمونا وأسلوبا، بل في مفهوم الدولة ودورها، عسى ان تصبح الثقافة الديموقراطية وثقافة المواطنة حاضرة في الفعل السياسي والاقتصادي والتربوي، إيذانا بيقظة جديدة تفتح آفاق التغيير المرتجى نحو بناء الدولة الوطنية".