توقيع كتاب لباسكال تابت في الكسليك رعيدي: تدخل قارئها في عالم فينومينولوجيا جانلوك ماريون وتبرز فرادته وخصبه
نظم قسم الفلسفة ومختبر صوفيا التابعان لكلية الفلسفة والعلوم الإنسانية في جامعة الروح القدس - الكسليك احتفال توقيع كتاب "Amour et Donation chez Jean-Luc Marion: Une phénoménologie de l'excès"، للدكتورة باسكال تابت، في حضور نائب رئيس الجامعة الأول الأب يوحنا عقيقي، إضافة إلى عدد من رؤساء الجامعات والعمداء والأساتذة والهيئة التعليمية في الكلية المنظمة وحشد من الطلاب.
فياض
بداية، كانت كلمة لرئيسة قسم الفلسفة ومختبر صوفيا البروفسورة ماري فياض، إعتبرت فيها أن "الحديث عن الحب الحقيقي الذي هو حياة الحياة، يعني الحديث، في الوقت عينه، عن الإنتاج لأن الحب، من خلال مختلف أفعاله، يبني عالمنا الذي يبقى هو نفسه ولكنه يصبح متغيرا ومتبدلا ومهذبا من خلال أشكال الحب الجميلة التي تسعى إلى الوصول إلى اللانهاية وتجاوز لا بل التحرر من كل ثقافة قاسية وتفردية وتقسيمية. إن الحب الحقيقي، الذي بات مقدسا ها هو اليوم يطاول إنسانية جديدة في ظل عصر ومجتمع تسوده المادية وقلة الإنسانية". ثم طرحت سلسلة تساؤلات عن الكتاب: "كيف يمكن تفسير فينومينولوجيا جان-لوك ماريون؟ وما هي فلسفته الحدسية القائمة على مبدأ التشبع؟ كيف يمكن تصور هذا الحب الذي لا يمكن فهمه إلا عبر الفينومينولوجيا الجذرية الخاصة بالعطاء المشبع".
رعيدي
ثم ألقى عميد كلية الفلسفة والعلوم الإنسانية الأب البروفسور جان رعيدي كلمة تطرق فيها إلى جوهر فكر جان-لوك ماريون قائلا: "إن فينومينولوجيا جان-لوك ماريون التي
تركز على العطاء والتي تقوم على جذور بيبليّة وآبائيّة، تقلب بصورة تة طريقتنا في مقاربة المسائل الفلسفية واللاهوتية الكبرى كما فهمتها الميتافيزيقا الأنطولوجية الكلاسيكية والفينومينولوجيا التاريخية". وبما أن الاختزال الفينومينولوجي بالعطاء المحض يحدد جوهر كل ممارسة فينومينولوجية، لم يعد للذات التجاوزية كما فهمها هوسرل الدور الأساسي، بل أصبحت هذه الذات تتلقى ذاتها من الآخر الذي يعطيها لذاتها".
وأضاف: "ننتقل مع جان-لوك ماريون من سيادة الأنا المفكرة التي تفهم ذاتها وتفهم العالم انطلاقا من ذاتها عينها إلى سيادة الأنا المحبة التي تستقبل ذاتها عينها من خلال عطاء محض. يكشف الحب الذي يعتبر الظاهرانية الأصلية التي تؤسس في عمقها اللامتأسس كل ظاهرة قابلة للتصور، عن فيض مطلق على القصدية وعلى كل إمكان لإدراكه بواسطة وعي مموضع وعلى مقاربته في ضوء فكر مفكر. يكفي أن يعطي الحب ذاته، أن يأتي فجأة وأن يغمر بفيضه الحدسي كل كائن وكل مفهوم وكل تكوين لمعنى فرضته عليه الأنا التجاوزية". وإذا كان الإنسان بحسب جان-لوك ماريون لا يفهم إلا كعطية مجانية فلأنه ينكشف لذاته في المصدر الإلهي الذي لا ينفك عن إعطاء ذاته عينها وعن الكشف عن ذاته عينها في الحب. إن الله يحب ولا يعطي ذاته للتفكير إلا ككشف عطاء لا مقياس له. إن جوهر كل أنطروبولوجيا عند جان-لوك ماريون يفهم دائما في قلب وحدة لاهوتية- فينومينولوجية سلبية".
وتابع: "تكمن قوة كتاب باسكال تابت البارزة في هم الكاتبة في أن تدخل قارئها في عالم فينومينولوجيا جان-لوك ماريون الذي تبرز فرادته وخصبه. لا تقودها قط ألفتها مع عمل جان-لوك ماريون إلى الانحصار في فضاء مغلق لفكر يكتفي بذاته ويستثني كل آخر، بل على عكس ذلك، إلى تحليل صبور، متأمل به جيدا، حيث ينفتح النص ويمتد أمام أعين قارئ معجب بأن يرى كيف يمكن أن تلمسه فلسفة على هذا القدر من السخاء والفيض في كل نقطة من حقيقته المحبة".
تابت
ثم عرضت الدكتورة تابت مضمون كتابها منطلقة من السؤال التالي: "إذا كانت الظاهرانية تختزل بما نراه فأي معنى للحياة بعد؟ أي معنى للفلسفة التي تبحث منذ نشأتها عما هو خفي وراء الظاهر أي على ما يؤسس الظاهر؟". ولقد أبرزت نقد جان-لوك ماريون للميتافيزيقا التي حددت الفلسفة خلال عصور وفرضت على ظهور العالم شروطا مسبقة، مقيمة عقلانية ضيقة ومحدودة جدا إلى حد أن كل ما لا يخضع لأسبقيات الميتافيزيقا يلقى خارج حقل المرئي والعقلاني. إن ما يخضع لأسبقيات الميتافيزيقا هي الموضوعات التي يستطيع المرء أن يكونها قصديا والتي لا تتخطى انتظار عقلنا. من هنا نطرح إشكالية أساسية: كيف يمكن هذه الموضوعات أن تلمسني أنا الذي لست موضوعا من بين الموضوعات، أنا الموجود كجسد يدخل العالم بإحساسه وبتأثره، وهو يختلف عن الأجسام الطبيعية بقدرته على التأثر؟ من هنا، لاحظ جان-لوك ماريون أن ما يغيب عن فينومينولوجيا هوسرل وهايدغر هو العطاء، أي ان كل ظاهرة تعطي ذاتها قبل كل شيء".
بعد ذلك، عرضت لأقسام الكتاب الثلاثة. ففي القسم الأول حاولت "درس فينومينولوجيا العطاء المشبع الجذرية عند جان-لوك ماريون الذي قلب كل مبادئ الفينومينولوجيا التاريخية ليفهم العطاء بعيدا من مفهومه العام الشائع، العطاء الذي لا يمكن فهمه من خلال التبادل بل من خلال اختزال المعطي والمعطى له والعطية عينها التي ليست موضوعا بل ظاهرة لا ترى بأعين العالم - كظاهرة الحب والأبوة والاستشهاد والوقت، الخ"..
القسم الثاني من الكتاب تتناول فيه "الاختزال الإروسي الجذري الذي يقوم به جان-لوك ماريون في قلب فينومينولوجيا العطاء الجذرية. يبين جان-لوك ماريون أن الحب لا يخلو من العقلانية بل يتمتع بعقلانية أكبر، لا بل إنه العقلانية الأكبر التي تحوي كل شيء. إن الحب ظاهرة تختلف عن كل الظواهر-الموضوعات بكونه "ظاهرة مشبعة" أي فيض من الحدس على القصدية. يعطي الحب ذاته بلا مقابل، بمجانية مطلقة حتى بذل الذات فيقلب بذلك منطق العالم ويعطي للآخر فرديته. الحب هو الحقيقة التي تتيح لنا رؤية ومعرفة ما لا يظهر.
وانطلقت إلى القسم الثالث الذي تبين فيه أن "التطرق إلى مسألة الله في الفلسفة ليس خروجا عن الفلسفة ومنها للدخول في اللاهوت، لأن فكرة الله ضرورة فينومينولوجية. فالله هو الذي يعطي ذاته حتى إخلاء الذات ليعطي الذات لذاتها. إن الله، إذا، هو الظاهرة بامتياز، إنه الحب المطلق الذي لا يمكن إدراكه بعقلنا ليس بسبب محدودية عقلنا بل لأن الله فيض مطلق".
وختمت: "فينومينولوجيا جان-لوك ماريون تعلمنا أن نرى، إنها تفتح أعيننا، أعين قلبنا، وتعلمنا أن نرى الظاهرة كما تعطي ذاتها، وتعلمنا أن ما يظهر يعطي ذاته. تعلمنا هذه الفينومينولوجيا أننا خلقنا وأعطينا لذاتنا بحب بالحب، أي الله، ومن أجل الحب، وأن مجد حياة لا يقاس إلا بالحب الذي نستقبله، بالحب المعطى".