جامعة الكسليك استضافت المحاضرة التدشينية لكرسي كمال يوسف الحاج للفلسفة
نظم "كرسي كمال يوسف الحاج للفلسفة اللبنانية" محاضرته التدشينية، القتها أستاذة الكرسي البروفسورة هدى نعمة، بدعوة من جامعة الروح القدس - الكسليك، وبالتعاون مع "بيت الفكر - أسسية كمال يوسف الحاج".
نعمة
بعد تقديم للبروفسور أمين البرت الريحاني، استهلت البروفسورة نعمة محاضرتها بالتأكيد "أننا اليوم في فترة تضامن بين القوى السياسية في الوطن، على تنوع توجهاتها ومشاربها، بهدف صون لبنان من الشرور والمخاطر التي تحدق به، إن خرج أهل السياسة مرة أخرى عن جلدتهم اللبنانية الهوية والقلب والعربية اللغة والروح. ونحن اليوم في زمن تكريس "كرسي كمال يوسف الحاج للفلسفة اللبنانية"، نبراس نهضة فكرية آتية... بعد أعوام من الإجحاف في حق لبنانيتنا غابت خلالها طاقاتنا العقلية، أو غيبت، قصدا أو سهوا، فافتقرنا إلى من يحمل الحلم، ويرفع الشعلة، ويحكم العقل، ورحنا نغرف الفكر من معاجن مختلفة، فأصبحنا كتلة جماعات تتلاصق ولا تتلاحم، تتعايش ولا تتآخى، تتناحر فئويا على رفع المتاريس الوهمية، وتهشم نعمة الوحدة في التعددية وتخنق آفاق الغيرية المحبة".
وقالت: "من رحم هذه الجامعة العريقة، نعلن بزوغ "كرسي كمال يوسف الحاج للفلسفة اللبنانية" مشروعا كيانيا شاءته الجامعة، بهمة رئيسها الأب البروفسور جورج حبيقة، وبالتعاون الوثيق مع "بيت الفكر- أسسية كمال يوسف الحاج"، ممثلا برئيس مجلس أمنائه قدس الأب العام مالك ابو طانوس، والأستاذ ربيع نعمة الله افرام صاحب اليد البيضاء في إطلاق الكرسي، فيؤدي رسالته الفريدة في إعادة إحياء الفلسفة اللبنانية، القابعة أبدا في أعماقنا والباقية، رغم الأوجاع التي ألمت بها، شرياننا الحي والمقاوم في سبيل استعادة ما ضاع بعد عز وترميم العقل اللبناني".
ورأت ان "العقل اللبناني انسحق في طاحونة العولمة الكاسحة، وضاع في متاهات العصر الرقمي، وكلها "عرمة" من التحولات الماحقة أبرز سماتها إقصاء الضد، ونبذ الآخر في المدى المنظور، كمقدمة لإلغاء الإنسان نفسه في المدى اللامنظور، والقضاء على كرامته لا بالآلة بل بالإنسان ذاتا. كل هذا يحدونا على التمسك بالفلسفة اللبنانية خشبة خلاص لنا ولمن يجاورنا، ونافذة مشرقة نطل منها على العالم من غير تبعية، بل كأصحاب فكر حر وحق يؤهلنا لصنع القرار الحضاري أسوة بالمجتمعات الكبرى التي تقدمت بفضل قوتها الفكرية الفلسفية قبل قوتها المادية".
ولفتت الى أن "كمال يوسف الحاج، هو مؤسس العمارة الفلسفية اللبنانية. ولد الحاج عام 1917 واستشهد عام 1976. بين هذين التاريخين امتدت حياة سامية تجسدت تجربتها في فلسفة، بل في رسالة، وفي علاقة حب لقومية إنسانية تبين، بعد أربعين عاما على استشهاد صاحبها أنها وحدها الباقية على الزمن".
واذ تساءلت: "لم تحتبس صفة الفلسفة عن الفكر اللبناني؟ لم الزهد بلبنانية الفلسفة؟"، قالت: "الكلام في الفلسفة اللبنانية لا يعني، بحسب توضيح الحاج، دسها في دهاليز الانتماءات الضيقة، بل هو، بعد الاطلاع على سياق التفكر اللبناني الناضج على جمر الواقع اللبناني منذ كنعانيته الأولى، مرورا بفينيقيته ومسيحيته وعربيته وعثمانيته، وصولا إلى نصلاميته في خضم محيط إسلامي واسع، إمكانية الحسم بأن الفلسفة اللبنانية، المتقوية بخبرتها الحية والمتراكمة عبر العصور، هي عصب الحياة ومصل البقاء للبنان واثق، مشرق، رائد، رافد ومرتفد، في محيطه العربي وفي الفضاء العالمي".
وأعلنت أنه "سينطلق الكرسي، في أول أنشطته الفكرية، بمؤتمر فلسفي شامل عنوانه: "لماذا الفلسفة اللبنانية؟"، الهدف من هذا المؤتمر التأسيسي هو ضخ الحياة من جديد في مجرى الفلسفة اللبنانية وفتح النوافذ، القدر الأكبر من النوافذ، لبروز جيل من المقاومين، فكرا وفلسفة وثقافة، يحدثون صدمة بناءة في الصيرورة اللبنانية والعربية، ويؤسسون لحركة واسعة تقصي، بداية، كل مسببات الإنحلال عن المجتمع اللبناني خاصة، والعربي عامة، إقصاء تدريجيا. وهنا يحضرني مشروع الحاج العظيم، الهادف إلى وضع موسوعة فلسفية لبنانية عربية، بعنوان "معالم الفكر الإنساني"، غايتها، أن نلبنن الفلسفة باللغة العربية، لنفلسف لبنان في عالم عربي ينتفض".
أضافت: "يدعونا كمال الحاج إلى تلقف ما يدعوه، هو، "رسالة لبنان الرسولية"، وإدراكها تمام الإدراك، كي لا تتهافت معرفتنا في حركة الوجودين، الإنساني والكوني. هذه الرسالة ليست في تاريخ لبنان، بل في ما يسميه، بتعبير منيف، "لبنان التاريخ". دعوة الحاج تفترض، نظرا، الإيمان بوحدة التاريخ في مساحب الزمان. هذا "التاريخ الجامع هو وحده الباقي". هو "الجوهر. وقد يكون هو الحقيقة الراسخة في المدى المتحرك".
واعتبرت أن "الحاج لا يرى الفلسفة إلا مرتكزة جوهرا على الإقرار بوجود نظام كوني عام. كما يعتني بالنزعة التعميرية كركن من أركان التفكير الفلسفي اقتناعا منه بأن الفلسفة "نشاط عقلاني خاص عندما يجابه الإنسان مشاكل ومعضلات... مع كمال الحاج باتت الفلسفة ناشبة في تربة المعاناة الوجودية، وغدت هي القضية التغييرية، وعنوان المصير الآتي من عمق لبنان التاريخ".
وتابعت: "إنه نبي الحلم بسياسة فلسفية، أو بفلسفة سياسية، تتغذى من التربة المعرفية الخصبة التي تتسع لكل التناقضات، وتتقبل الاختلاف على أنه تكامل في التجسد، وتعب من التنوع، رابطة ذينك الاختلاف والتنوع بمبدأ "تعادلية الجوهر والوجود". وعلى قاعدة هذا التنوع الضروري في تجليات الجوهر تقوم المعية الإنسانية بين المختلفين، فتتجلى في وجه خاص بين المسيحية والإسلام في مؤتلف فكري اجترح له كمال الحاج تعبيرا صار مأثورا: النصلامية".
وشددت على انه "لو عدنا بالتاريخ إلى ما سمي الإصلاح التربوي عام 1997، لوجدنا أن لبنان، لواحد وعشرين سنة خلت، قد ألغى الفلسفة بمفهومها التثقيفي الرفيع من النظام التربوي اللبناني، حاذيا حذو كل الأنظمة التربوية المحيطة بنا. وهكذا خفت صوت العقل الباحث، وتراجع التفكر الفلسفي، وبت ترى المجتمعات في مشرقنا أقرب إلى القطعان المطيعة. فلا تمرد يرتقي إلى مصاف الثورات الفكرية الكبرى التي ينحسر أمامها الفتور، بل الموت العقلي السريري، بل عقائدية كاسحة، قتالة، حرمتنا لذة تأسلب الآراء فلسفيا، وأمعنت في رز تركيبة النقص فينا إلى حد التضعضع الاجتماعي، والمرض النفسي، والاستسلام فالاستلزام. وصرنا، من حيث ندري أو لا ندري، من ملة التابعين، نقتات من الفلسفة فتاتها. لا نبي. لا معلم. لا مارد فكر. لقد نبذنا بضاعة الفلسفة في لبنان، فأقعدنا الفيلسوف. ثم أبعدنا من يفكر ويتفلسف عن مجالس القرار، فبتنا وجها لوجه مع سياسي لا يتفلسف، أي مع سياسي أعمى، ومع فيلسوف لا يتسيس، أي مع فيلسوف مقعد، كما يقول الحاج".
كما رأت أن "الحل أولا، في رؤية كمال الحاج، هو أن تتفلت الفلسفة من تقوقعها المزمن، وتتحرر من حسب ونسب نخبويين، وتتحلب ماويتها من أقلام كتابها نحو الشعب، فتنزل الساح، وتدخل حياة كل الناس، وتصبح إكسير حياتهم، ونفط مدنيتهم، فتشرف المرء لأنها تجعل منه رسم إله، وتحكمه في سير الزمان. والحل ثانيا، كما يطالب به الحاج، هو وجوب تعليم الفلسفة بقوة في المنهاج الثانوي، وباللغة العربية. وقد نضيف اليوم، استطرادا: بل انطلاقا من الحلقة الثانية في منهاج التعليم الأساسي. وهكذا تدخل إلى صميم التلامذة، وهم بعد في أول نضارتهم الفكرية، فتصبح شبه فطرة محمودة توجههم في جميع مسالكهم العامة منها والخاصة".
ثم عرضت ميزات الفلسفة اللبنانية ودستورها وبرنامج عمل الكرسي للسنين المقبلة وهو كالآتي:
"أولا: في مجال التربية والتعليم: سيسعى الكرسي إلى تحقيق الأهداف الآتية:
1- اعتماد مقرر جامعي بعنوان "الفلسفة اللبنانية في تاريخها وآفاقها"، في إطار مقررات الثقافة العامة الواجبة على جميع الطلاب في جامعة الروح القدس-الكسليك، ثم السعي إلى تعميم هذا المقرر على الجامعات اللبنانية الأخرى. لغة التدريس في المقرر هي العربية بعامة، وغير العربية للطلاب الذين لا يجيدون اللغة العربية ولكنهم يرغبون في الاطلاع على الفلسفة اللبنانية. مطلع العام 2018 - 2019.
2- إدراج مادة "الفلسفة اللبنانية" في البرامج الجامعية لدرجتي الإجازة والماسترز في جامعة الروح القدس الكسليك العام الجامعي 2018 - 2019، والسعي إلى تعميم الفكرة لدى المؤسسات الجامعية اللبنانية كافة.
3- العمل مع الهيئات المعنية على إدراج مادة الفلسفة اللبنانية في المناهج الرسمية للمدارس اللبنانية آذار - نيسان 2018.
4- إطلاق سلسلة مبسطة للأحداث حول الفلسفة، تكون مطعمة بالفلسفة اللبنانية، وتصدر بصيغة كتب أو وسائل سمعية - بصرية، كي يتذوقوا التفكير الفلسفي منذ اليفاعة. الإطلاق نيسان 2018 الطباعة الأولى نيسان 2019.
يرى الكرسي أن أولوية هذه المشاريع التربوية ترتبط، أولا باستعادة لبنان وطنا رائدا في الثقافة. ومصدر هذه الريادة المنشودة فكر فلسفي لبناني يوضح الرؤيا الصحيحة لكيان لبنان ولرسالته الفذة القائمة على تعزيز الميثاقية الوئامية بين عائلات الوطن الروحية.
ثانيا: في مجال الأبحاث:
أ- المؤتمرات الفلسفية الدورية بإشراف الكرسي:
في السنة الأكاديمية الأولى للانطلاق في هذا الباب، سيقيم الكرسي ثلاثة مؤتمرات:
المؤتمر الافتتاحي بعنوان: لماذا الفلسفة اللبنانية؟ تاريخه 15 تشرين الثاني 2018 ومؤتمر فكري ثان حول فلسفة كمال يوسف الحاج (آذار 2019) ومؤتمر فكري ثالث حول فيلسوف لبناني يعينه المجلس الاستشاري التابع للكرسي (حزيران 2019).
في كل سنة أكاديمية تتلو السنة الأولى، سيقيم الكرسي بشكل منتظم مؤتمران: الأول حول فلسفة كمال يوسف الحاج والثاني حول فيلسوف لبناني آخر. ويتعهد الكرسي طباعة جميع أعمال المؤتمرات في سلاسل خاصة به.
ب - رسائل الماسترز والأطروحات الدكتورالية
سيشجع الكرسي على وضع رسائل ماسترز وأطروحات دكتورالية، في جامعة الروح القدس-الكسليك، حول فلسفة كمال يوسف الحاج أو حول الفلسفة اللبنانية في جوانبها المختلفة، ومواكبة العمل فيها كما المساعدة في الإشراف عليها، ثم دعم إصدارها العلني في مؤلفات. كذلك، سيشجع على وضع هذه الرسائل والأطروحات في جامعات أخرى، ويدعمها عند الطلب.
ثالثا: في مجال الترجمة:
سيلعب الكرسي دورا محوريا بالتعاون مع "بيت الفكر - أسسية كمال يوسف الحاج"، في ترجمة آثار الحاج الكاملة، تدريجيا، إلى اللغتين الإنكليزية والفرنسية، ولاحقا إلى لغات حضارية أخرى، منها الإسبانية، والبرتغالية، والألمانية، والإيطالية والروسية، تمهيدا لنشرها تباعا.
رابعا: إنشاء المجلس الاستشاري للكرسي:
سينشئ الكرسي بحسب وثيقته التأسيسية، مجلسا استشاريا من ذوي الاختصاص لمعاونة أستاذة الكرسي، على أن يتألف من أعضاء شرفيين ومن أعضاء عاملين، بعد الاتصال بهم وإطلاعهم على الدور المحوري الذي سيضطلعون به في إطار مشاريع الكرسي، إن لجهة الاستشارة في كل ما يتعلق بنشر الفلسفة اللبنانية وتعزيز حضورها، أو لجهة المشاركة في مؤتمرات الكرسي وأنشطته الأخرى (منتصف آذار 2018).