مؤتمر عن "سياسة الحفاظ على التراث الحضري والهندسي في بيروت" في جامعة الروح القدس
كما حضر وزير الثقافة السابق غابي ليون، رئيس الجامعة الأب الدكتور هادي محفوظ، عميد الكلية المنظّمة الدكتور بول زغيب، رئيس قسم الهندسة المعمارية في الجامعة الدكتور أنطوان فشفش، بالإضافة إلى حشد من الخبراء والاختصاصيين المشاركين في المؤتمر والأساتذة والطلاب.
خوري
بداية قدّمت للمؤتمر المسؤولة عن النشاطات في الكلية الأستاذة أوديل خوري التي تساءلت: "من يمكنه أن يتخلى عن جذوره؟ من يمكنه أن يمحو ماضيه؟"
ورأت أنه "إذا كان انتماؤنا مصدر قوتنا، يشكل تراثنا بمختلف أشكاله الركيزة الأساسية لذلك. وكما أنّ الاعتزاز بالتراث هو واجب كلّ مواطن لبناني، الذي حصل على فرصة التنعّم بجزء منه، من واجبه أيضًا نقله إلى خلفاءه.
صحيح أنّ اللحاق بالتطور وخدمة الحداثة أمران مهمّان، غير أنّ الاستفادة من ما توصّل إليه أجدادنا ليس سوى غنى وتطوير للاستمرارية. هذه الاستمرارية التي أعطت التوازن للعالم".
وزير الثقافة روني عريجي ورئيس الجامعة الأب الدكتور هادي محفوظ
فشفش
ثم تحدث رئيس قسم الهندسة المعمارية في الجامعة الدكتور أنطوان فشفش الذي قال: "ابتداءً من منصف القرن التاسع عشر ووصولاً إلى منتصف القرن العشرين، كانت بيروت مدينة المدن ومدينة الثقافة والأدب والهندسة والانفتاح على كلّ ما هو متعلّق بالجمال. وبعد الأحداث التي عصفت في البلاد، غرقت بيروت في حالة غياب وابتذال تاركةً الساحة إلى رداءة القطاع العقاري ومضارباته بسبب غياب القانون".
وأشار إلى "أنه أمام هذه الحقائق المؤسفة، لقد شعرت كلية الفنون الجميلة والتطبيقية في الجامعة على العموم وقسم الهندسة بشكل خاص بأنها معنية بإيجاد حلول لهذا الأمر أو المساعدة على المصادقة على القوانين الموجودة من أجل تحسين ما تبقى من تراثنا الهندسي والمحافظة عليه".
زغيب
من جهته، أشار عميد الكلية الدكتور بول زغيب إلى "أن هذا المؤتمر يهدف إلى تسليط الضوء على "سياسة الحفاظ على التراث الحضري والهندسي في بيروت" لتعزيز مبادئ التراث المشترك. هذا وقد اعتمدت اللجنة الوزارية الأوروبية التعريف الذي ينصّ عليه الميثاق الأوروبي للتراث الهندسي تعريف لمصطلح "التراث الهندسي" الذي يشمل المباني التالية: المعالم الأثرية المهمة، والمجمعات الهندسية أي المجموعات المتجانسة من المباني الحضرية أو الريفية المهمة، والمعالم أي الأعمال المشتركة بين الإنسان والطبيعة التي تكون متجانسة وجامعة للخصائص وجميعها بفضل قيمتها التاريخية والأثرية والفنية والعلمية والاجتماعية والتقنية. إذًا، يشكّل التراث الثقافي آثار لا تُمحى من الجمال الذي تركه لنا الماضي".
واعتبر أنه "قد نقل إلينا تاريخ بيروت هذا الجمال بالطريقة الأكثر تعبيرًا وهذا ما يشكل جزءًا أساسًا من ذاكرة اللبنانيين اليوم. وحان الوقت للاعتراف بدعوة مدينة بيروت، من خلال تاريخها العريق، كملتقى للشعوب والبلاد.
ويتطلب منّا، نقلُ نظام كامل من المراجع التي تشكل تراثًا ثقافيًا يحمل قيمة روحية كبيرة، مسؤولية تحديد المعالم الأثرية والمجمعات الهندسية والمعالم التي ينبغي حمايتها بدّقة".
ولفت إلى "أن التراث، ذلك الشاهد من الماضي، يشكّل أحد الأسس الجوهرية لأي مجموعة من البشر. ولا يمكن للأمة أن تكتفي بتلقي تراث الأجيال السابقة بسلبية، بل عليها أن تطوّر نهج قبول وامتلاك. والسؤال الذي يطرح هنا هو التالي: كيف تريدون بناء هوية لبنانية من دون تكوين صورة واضحة عن الماضي اللبناني؟ والإجابة على هذه المسألة يكمن في إعادة إحياء التراث وهنا يأتي دور الدولة التي باسم الأمة يقع على عاتقها تعريف هذا الماضي من خلال سياسة حماية واضحة تديرها المؤسسات الحكومية. وطريقة الحماية المخطّط لها هذه هي التي ستؤدي إلى حماية حقيقية للتراث الهندسي الحضري وتسليط الضوء عليه".
وزير الثقافة السابق كابي ليون ورئيس الجامعة الأب الدكتور هادي محفوظ
الأب محفوظ
أما رئيس الجامعة الأب هادي محفوظ فرحّب بالوزيرين متمنيا للوزير عريجي النجاح في مهامه. كما شكر الوزير ليّون على التعاون السابق بين الوزارة والجامعة. واختتم مثنيا على أهمية الموضوع الذي يعالجه هذا المؤتمر، إذ يكمن في صلب رسالة الجامعة في خدمة المجتمع والشأن العام، آملا أن يتوصل المشاركون فيه إلى توصيات مثمرة وبنّاءة.
الوزير عريجي
وفي ختام الافتتاح ألقى وزير الثقافة روني عريجي كلمة قال فيها: "نجتمع اليوم من أجل البحث في مسألة "سياسة الحفاظ على التراث الحضري والهندسي في بيروت" وللبحث أيضًا في مسألة ما العمل من أجل حماية هذا التراث الثقافي والمحافظة عليه؛ هذا التراث الذي أصبح بمثابة حُطام هائم في محيط من التناقضات؟"
واعتبر "أننا أمام أسئلة متعلقة بالهوية: ماذا سيحلّ بتراثنا الهندسي بعد أن دمّرنا بقايا تاريخه ومحونا علامات ذاكرتنا الجماعية؟ هل نحن نعي أنّنا نتجه نحو انعدام التميّز الذي يضعفنا في الفقاعة اللّا شكلية التي تسمى العولمة؟"
وشدد على أن وزارة الثقافة تتحملوحدها عبء ومسؤولية المحافظة على التراث الهندسي اللبناني في حين أنه ينبغي أن يكون هذا العمل عمل جماعي مشترك بين مجمل الإدارات والجماعات. وما يجعل من مهمة الوزارة أكثر صعوبة هو عدم تطبيق أيّ استراتيجية وطنية من أجل المحافظة على التراث، فضلاً عن غياب القواعد والقوانين التي تعالج هذا الموضوع صراحة".
وأضاف: "يخلق الوخز الموجود بين الحق بالملكية الخاصة، الذي يضمنه الدستور، والمصلحة العامّة مشاكل معقدة لا يمكن حلّها إلا من خلال سنّ قانون واضح يحدّد معايير تصنيف مبنًى ما ضمن التراث الثقافي الوطني. وما زال مشروع القانون متروكًا في أدراج مجلس النواب في وقت كانت خبرات كثيرة قد عالجته بصورة جدّية ولمدّة طويلة. وأنا أتعهّد هنا أمامكم ألّا أألو جهدًا من أجل إعادة تفعيل مشروع القانون هذا، لتشريع هذا القانون وإخضاعه للتصويت بأسرع وقت من أجل أن تنتقل حماية التراث الوطني من مجرد وجهة نظر إلى وجهة قانونية".
وأكد "أن البلد يحتاج إلى تحديد أولويات بعيدة عن هذا الموضوع، في الاقتصاد أو الأمن مثلاً، ولكنني على قناعة بالحاجة الملحة إلى وقف تشويه المشهد اللبناني"، مطالبًا بانضمام المجتمع المدني والقطاع الخاص ومساعدتهما من أجل إحداث تقارب في مجتمعنا نحو التوافق حول نظرة ومصير مشتركين تحت شعار: تراثنا، هويتنا، وطننا!
ثم تسلّم الوزيران عريجي وليون ميدالية من الأب محفوظ.
وانعقدت بعدها ثلاث جلسات عمل حول التراث المعماري لمدينة بيروت، الأشكال المُدنيّة لبيروت وواقع قوانين الحماية