فليتشر في حفل تخريج طلاب مدرسة الحكمة هاي سكول: تحلوا بالشجاعة للبقاء والبناء في هذا البلد حتى لو رحل الآخرون

ومشاركة النائب الأسقفي للشؤون التربوية في مطرانية بيروت المونسنيور سوفور الخوري، رؤساء مدارس الحكمة في بيروت، بعبدا، والجديدة، الآباء عصام إبراهيم، بيار أبي صالح، وبيار الشمالي، وأهالي المتخريجين والمربين، وحل السفير البريطاني في لبنان طوم فليتشر ضيف شرف عليه.

تابت

بعد دخول الطلاب على وقع نشيد الحكمة "حكمة الأرز الندية بالمعالي والجهاد"، ثم النشيد الوطني والبريطاني، بدأ الاحتفال بكلمة ترحيبية لرئيس المدرسة الخوري كبريال تابت قال فيها: "أعزائي المتخرجين، أتقدم منكم بأحر التهاني على ما أنجزتموه، لقد وصلتم إلى نهاية طريق التعلم في المدرسة، وهنا يبدأ المسار نحو المستقبل، ومن هنا تستطيعون أن تبدأوا حياتكم".

أضاف: "عادة، في هذه المرحلة، تكونون قد حددتم المجال الذي ستعملون فيه في المستقبل، وبغض النظر عن خياراتكم الشخصية، أنا واثق بأننا عملنا جيدا على إعدادكم لأية رحلة تقررون القيام بها. كما أشجعكم على دراسة ما تؤمنون به حقا، لكي تكون لكم آراؤكم الخاصة في القضايا التي تدافعون عنها، أو تلك التي تريدون التصدي لها".

وتابع: "عندما تقومون بخطوة إلى الأمام، بثبات، ومن دون خوف من خياراتكم وبالإيمان بالله وبذلك الصوت الداخلي، سوف تشعرون بالشجاعة. هذه هي الشجاعة التي نحن بحاجة إليها اليوم في العالم. فمفهوم الشجاعة يتجلى في أكثر من معنى. يجد البعض أنه قريب من مفهوم الجرأة. أما البعض الآخر فيعتبره مثابرة في وجه الشدائد. وفي حين أن هذا التعريف الأخير هو الأقرب إلى الحقيقة، اسمحوا لي بأن أقول لكم أنه مهما كان التعريف الذي تعتمدونه، إعرفوا أن الشجاعة تنطوي على حكمة، والحكمة هي التي تملي عليكم كيفية التصرف".

وأردف: "الشجاعة ليست مجرد القدرة على مواجهة الصعاب، إنما هي التصرف بشكل صحيح وفي الوقت المناسب. الشجاعة هي القيام بخطوة إلى الأمام عندما يتوقف الآخرون. الشجاعة ليست الاستسلام عند مصائب تمنعنا من التقدم. هي الأمل الذي يحلم به الجميع من أجل بناء مستقبل أفضل".

وتوجه إلى المطران مطر بالقول: "لقد تطلب الأمر شجاعة للنهوض في هذه المهمة التعليمية. ولكن رؤيتكم وقيادتكم توجهاننا باستمرار لرعاية جيل الشباب، أصحاء ومزودين بالشجاعة والحكمة والإيمان للتغلب على تحديات الحياة".

وللسفير فليتشر: "سعادة السفير طوم فلتشر، ضيفنا المميز، لقد تطلب الأمر شجاعة لكي تحقق أحلامك، لتصبح "حرفيا" جيدا في الدبلوماسية. ما يذكرنا بقول أرنست همنغواي "الشجاعة نعمة تحت الضغط".

وشكر "اهالي، لما أولوه من الثقة لتربية أولادهم، وإيمانهم بمهمة المدرسة"، وقال: "اسمحوا لي أن أنهي كلمتي هذه بقول شهير لكريستوفر باوليني: "مات الكثير من الناس لأجل معتقداتهم، لكن الشجاعة الحقيقية تكمن في العيش والمعاناة من أجل ما نؤمن به".

فليتشر

ثم ألقى خطيب الإحتفال فليتشر كلمة حيا فيها مدرسة الحكمة وطلابها وأهاليهم، وقال: "أشكركم على دعوتكم لي للانضمام إليكم اليوم. فأنا أحب كثيرا أن آتي إلى حفلات التخرج لأنها مصدر إلهام، هي الأوكسجين، هي الطاقة الإيجابية".

أضاف: "هذا الصباح، نشر بيل كلينتون صورة عن يوم تخرجه على تويتر. وأنتم لن تنسوا أبدا هذا الشعور: شعور بالصداقة الحميمة، بالصداقة الوثيقة، بالخوف، والأمل، شعور المرء بأنه في بداية مغامرة رائعة. تذوقوا ذلك الشعور. تنشقوه، طلبتم مني أن أتكلم عن الشجاعة. وبصفتي السفير البريطاني، يسمح لي طبعا أن أستشهد بأقوال تشرشل في أي وقت. فعند نهاية حياته، بعد أن انتصر في الحرب العالمية الثانية، طلب منه العودة إلى مدرسته ليلقي كلمة. ويمكنكم طبعا أن تتخيلوا ترقب الجميع. عندما حان وقت كلمة الرجل العجوز، وقف ببطء وقال ببساطة: "لا تستسلموا أبدا أبدا أبدا"، ثم جلس. أخشى أنه لا يمكنني أن أعد بفعل شيء كهذا. أما هو فلقد أجاد التعبير".

وتابع: "قد تسمعون طوال اليوم ما سأقوله لكم الآن، لكنني أشعر فعلا وكأنني كنت أتخرج بالأمس. لقد تقدمت في السن، ولكن ليس كثيرا. أصبحت أكثر حكمة، ولكن ليس كثيرا. هناك العديد من الأشياء التي أفهمها أقل مما كنت أفعله عندما كنت شابا: المال والموضة والنساء. وخصوصا، عندما يجتمع الثلاثة معا. وبعض الأمور أفهمها بشكل أفضل، وكنت أتمنى لو كان العكس هو الصحيح. كأغنية واحدة، أحب أن أسمع دونالد رامسفيلد يؤديها: أتمنى لو لم أعرف الآن ما لم أكن أعرفه في ذلك الحين".

وأردف: "على مر الزمان، جمعت باقة من النصائح، أعطاني إياها أشخاص قابلتهم، لأعطيها لابني حين يصبح مستعدا لسماعها. إسمحوا لي أن نتشارك معا أربعة منها. كتب ميخائيل غورباتشوف: عزيزي تشارلي، إن النجاح الذي ستحصل عليه يساوي ما تضعه لتصل إلى ما وصلت إليه. وكتب جورج بوش: تشارلي، جد الراحة في الإيمان والعائلة والأصدقاء، ولا تضح بروحك للحصول على موافقة عليها. وكتب بيل كلينتون: تشارلي، تعلم بقدر ما تستطيع. تعرف الى أنواع مختلفة من الناس. لتكن أحلامك كبيرة. تمتع بكل يوم. كن كريما في عطائك. وكتب باراك أوباما: إلى تشارلي، لتكن أحلامك كبيرة، ولتعمل من أجل تحقيقها".

وقال: "فهمتم الفكرة الرئيسية: لتكن أحلامكم كبيرة. وأيضا كونوا مثابرين في عملكم، لمعرفة ما يهمكم. الهدف والعزيمة والأصالة، كلها تتطلب شجاعة. واسمحوا لي أن أقول لكم أمورا عن الشجاعة كنت أتمنى لو كنت أعرفها عندما كنت أتخرج:

- أولا، تكون أكثر شجاعة حين تكون صادقا مع نفسك، من دون أن تحاول تقليد الآخرين. عندما تعود عشرين سنة إلى الوراء، كما يمكنني أن أفعل الآن، لن تذكر الأشخاص الذين حاولوا أن يكونوا "الأروع"، ولكن أولئك الذين يأخذون على عاتقهم أن يقوموا بأمور يؤمنون بها، وتمسكوا بأصدقائهم، وكانوا متحمسين بشأن المستقبل. كن نفسك. كن مرتاحا مع نفسك. إسع إلى ترك العالم مكانا أفضل مما كان أثناء مجيئك إليه.

- ثانيا، الشجاعة هي السعي إلى ما تريد أن تقوم به، وتطبيقه بشغف والتزام. مع هدف واضح وتقدم مستمر. وبفضول. فأكبر تهديد لك ليس الإرهاب والحرب ولا حتى تغير المناخ. إنه اللامبالاة. كما قال مايكل انجيلو: الخطر الأكبر ليس في أن نهدف عاليا جدا ونفوت الفرصة، ولكن أن نهدف إلى أسفل ونصل اليه. لديكم فرصة أكبر من فرص أي جيل سابق لفهم العالم، والانخراط في العالم، وتغيير العالم. ولكن لا يمكنكم الجلوس والاعتماد على نوعية التعليم وحده. فعلى نحو متزايد، سيكون أمامكم أن تحاربوا بشكل أصعب، وأن تعملوا بجد، للعثور على مكانكم، ولتحقيق ما تريدون. وهذا يتطلب شجاعة. فكونوا على استعداد للتنويع، للمخاطرة، للاكمال في طريق التعلم. وتذكروا أن تيتيان، بعدما كبر في السن، وضع في النهاية فرشاة الرسم وقال "وأخيرا، بدأت أتعلم كيف أرسم.

- ثالثا، لا تدعوا أحدا يخبركم أنكم لا تستطيعون أن تفعلوا ما عزمتم على القيام به. إن التعليم الذي حصلتم عليه هنا يشبه ما يناله الآخرون، لكن كيفية استخدام هذا العلم هي التي تحدث فرقا. حتى ولو واجهتكم الصعاب فعليكم أن تحطموها. أنتم جيل يواجه العديد من الخيارات، أكثر بكثير من خيارات الأجيال السابقة، فتأكدوا من اختيار ما يليق بكم ويشرفكم".

أضاف: "يعرف معلموكم القول المأثور أن التعليم ليس ملء دلو مياه ولكنه إشعال نار، أي ليس تقديم مسلمات فحسب بل إثارة تساؤلات. لقد وضعت الأجيال السابقة رجلا على سطح القمر، واخترعت الطائرة، والسيارة، والإنترنت، وعلاجات لأمراض، وكتبت الأدب العظيم، والموسيقى العظيمة، وكسرت أرقاما قياسية في الرياضة. ربما يجد أحدكم علاجا للسرطان. ما الذي يمنعكم؟ ربما يضع أحدكم رجلا على سطح المريخ. ما الذي يمنعكم؟ ربما يكون أحدكم جبران خليل جبران المقبل. ما الذي يمنعكم؟".

وتابع: "بالنسبة إلي، كانت الشجاعة دائما ممثلة في أناس مثل مارتن لوثر كينغ ونيلسون مانديلا، الذين رأوا الظلم الهائل وقرروا كسره. مثل إدموند هيلاري، الذي رأى جبلا، وقرر أن يتسلقه. وعندما سئل عما دفعه إلى قهر ايفرست قال "لأنه هناك". مثل ستيف ريدغريف، الذي عندما قيل له إن الإنسان لا يمكن أن يفوز بخمس ذهبيات أولمبية على التوالي، حصل على واحدة إضافية. مثل مكسيم شعيا، الذي هو على وشك أن يجعل لبنان فخورا مرة أخرى، من خلال التجديف عبر المحيط الهندي، هؤلاء هم الأشخاص الذين لم يكتفوا بترك العالم كما وجدوه. هم الذين لم يسمحوا للعالم أن يقولبهم كما يريد، بل سعوا إلى تغيير شكل العالم. هم الذين آمنوا بقوة الفرد".

وأردف: "نعم، إني أتقدم في العمر، وأرى الكثير من مظاهر الشجاعة كيفما التفت، في صراع الناس اليومي للبقاء، في عيني شربل، اليتيم السوري الذي يبحث عن عائلته، في تصميم رجل أعمال لبناني يرى فشل عمله ويسعى للبدء من جديد، في مكافحي الألغام في الجنوب اللبناني وهم يخاطرون بحياتهم كل يوم، في ناشطين كمي شدياق الذين تعرضوا للأذى ولا يزالون يصارعون من أجل الحرية، في حياة كثير من اللبنانيين المصرين على إعادة بناء هذا البلد، برغم ما يتعرض له، تصديقا للقول المعروف: توجد الشجاعة في أقل الأماكن حظا".


وأشار: "أخطط لأكون متواجدا في حفلات تخرج أبنائي، لأتنفس ملء رئتي وأنا أراهم ينطلقون في مغامرتهم. وسوف أقدم لهم النصائح، وأخبرهم أن أسلافهم تركوا لهم جينات الشجاعة، وأن أقصى طموحي كان أن أكون والدا شجاعا، وأن تكون لي الأصالة والعزيمة والإصرار. وحين أنظر إلى التحديات التي يواجهها لبنان اليوم، أطلب منكم أن تتحلوا بالشجاعة، للتعايش مع بعضكم في هذا البلد، في حين يسعى الآخرون إلى تفتيته، والشجاعة للايمان بمستقبله الزاهر، في حين يجنح الآخرون نحو الأصولية، والشجاعة للبقاء هنا والبناء هنا، حتى ولو رحل الآخرون. هذه الأصالة اللبنانية، هذه العزيمة اللبنانية، هذه هو الإصرار اللبناني، وهذا ما أريد أن أكون جزءا منه".

وخاطب الخريجين "أتمنى لكم أيها الخريجون شجاعة تشرشل، وشعيا، وشربل وشدياق، وآمل كذلك أن تكون لكم شجاعة تشارلي. وفي حين تدعوكم خطابات التخرج عادة إلى اغتنام فرصة هذا اليوم، أدعوكم أنا إلى التسلح بالشجاعة من أجل تحقيق الغد".

مطر

وقبيل تسليمه وفليتشر وتابت الشهادات ل 111 طالبا وطالبة، في برنامج البكالوريا اللبنانية والأميركية والدولية، ألقى المطران مطر كلمة، شكر فيها رئيس المدرسة ومعاونيه على جهودهم في تربية أجيال المستقبل وتهنئة المتخرجين وأهلهم، وقال: "عند استماعي لطلابنا اليوم تذكرت دروس الكيمياء التي تقول:الشجاعة زائد المعرفة تنتج الحكمة. هذه هي الحكمة. لديكم الكثير من الشجاعة والمعرفة، فأنتم،أيها الطلاب الأعزاء، حكماويون جيدون. بارككم الله".

وتوجه إلى فليتشر قائلا: "منذ وصولك إلى لبنان أحبك الجميع، فأنت تمثل دولة عظمى في الشجاعة والعزم واحترام حقوق الإنسان وحريته، وتحب أن يكون كل إنسان على وجه الأرض حرا. أنتم بالنسبة لنا دولة عظيمة وتجربة عظيمة وجذابة. كنت للبنانيين قدوة للشجاعة والعزم ومحبة الوطن. الشجاعة تعني ،أيها المتخرجون، الذهاب إلى الآخر. وهذا يذكرني بالأمبراطور أغسطس، عندما قال:أنا سيد الكون، ولكن أنا سيد نفسي فقط. وهذا مهم جدا لأن الشجاعة تعني أن نكون أولا أسياد أنفسنا، وثانيا الذهاب إلى الآخرين. وأعتقد أن هذا هو معنى لبنان. لبنان هو وطن الشعب الذي يريد التعايش. محترما الآخر بخصائصه وحريته بغض النظر عن دينه وإنتمائه.هذه هي روح وطننا، وشكرا لتشجيكم لنا للتمسك بهذه القيم".

أضاف: "المشكلة الكبيرة في الشرق ألأوسط اليوم، تكمن في خوف الإنسان من الآخر ويجب ألا يخاف الإنسان من الآخر، لأنه كما قال أحد تلامذتنا اليوم:الآخر هو مرآة لي. مهمتنا هي الذهاب إلى الآخر. لذلك أقول لكم اليوم إبقوا على ما تعلمتموه في الحكمة وعلى مبادئكم في الذهاب إلى الآخر والإيمان به في لبنان وكل المنطقة. نحن بحاجة إلى المصالحة وعلى أن نكون أكثر مع بعضنا".

وتابع: "لقد حصل ما لا نتمناه في البرلمان اللبناني، لأننا نريد الإنتخابات في موعدها، نريد الديمقراطية. ربما قد خسرنا بعض الفرص، ولكننا مستمرون لأن الحياة بحد ذاتها، هي بداية جديدة. نحن متعلقون بحريتنا. ونريد لوطننا أن يعود إلى حياته الطبيعية ونريد لشعبنا ان يستمر مؤمنا بالحرية والثقافة، لذلك لن نستسلم من أجل المحافظة على هذه القيم. وسننجح اليوم أو غدا ولكننا لن نستسلم. طلابنا الأعزاء، نحبكم ونصلي لكم ونحن واثقون أنكم ستكونون من الناجحين في حياتكم. لتكن لديكم مشاريعكم وأحلامكم في بناء وطنكم والعالم. نريد لبنان أن يكون في مقدمة البلد المؤمنة بالحرية والثقافة والإنسانية والحوار والإحترام المتبادل. هذه هي رسالتنا في الحكمة ونحن متمسكون بها على الدوام. وفقكم الله، إننا نحبكم".

واختتم الإحتفال بتسليم علم الحكمة إلى ممثلي الصف الثاني ثانوي حاملي شعلة الحكمة وخريجيها العام المقبل، وبقسم الوفاء لله والوطن والحكمة. وكانت لوحة فنية أدبية من وحي كتابات الأديبة ماري قصيفي، منسقة اللغة العربية وآدابها في المدرسة.