مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية اختتم ندواته بلقاء عن إذاعة لبنان

اختتم "مركز التراث اللبناني" في الجامعة اللبنانية الأميركية سلسلة ندواته لعام 2016 بلقاء حول "إذاعة لبنان قبل نصف قرن" في الذكرى السبعين (1946-2016) لتسلم الدولة اللبنانية إدارة الإذاعة من سلطة الانتداب الفرنسي، شارك فيه ثلاثة من أركان الإذاعة قبل نصف قرن: نبيل غصن، إلهام علوية الجندي ومحمد كريم.

بداية تحدث نبيل غصن، الذي ختم عهده في الإذاعة (1959-2005) مدير البرامج بعد مراحل مر بها منذ دخوله مذيعا وكاتب نصوص بدعوة من صبحي أبو لغد أحد أركان الإذاعة عهد ذاك، وأوضح أن "إذاعة لبنان كانت الموئل الوحيد لجميع الطاقات الفنية من كتاب وموسيقيين ومطربين ومخرجين وممثلين وأدباء، كانت الإذاعة وسيلتهم الأهم للوصول إلى المستمعين واكتساب الشهرة. وهي أسهمت في انتشار أعمال محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش ونجاة الصغيرة وفايزة أحمد ونجاح سلام ووديع الصافي وصباح، وفي طليعة هؤلاء سفيرتنا إلى النجوم فيروز".

وتابع:"كانت الإذاعة منبر كوكبة أدباء وشعراء لبنانيين وعرب يرفدونها بأعمالهم الأدبية، أمثال أمين نخلة، ميخائيل نعيمة، عبدالله حشيمة، يوسف ابراهيم يزبك، نزار قباني، صالح جودت، أحمد رامي وغيرهم ممن ساهموا في نهضة إذاعة لبنان وإعلاء شأنها".

واعلن "ان إذاعة لبنان كانت في الستينات مدرسة ومختبرا. تدرب فيها العديد من كتاب التمثيليات والمخرجين والمذيعين والممثلين والمطربين، وكان لي دور مع عدد من الزملاء في تدريب مجموعة منهم، لا سيما ممن وفدوا إلينا من إذاعات العالم العربي، وأصبح كثيرون منهم اليوم يحتلون مراكز قيادية في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية".

وبعد توليه رئاسة قسم المخرجين نهض بالقسم فنيا، وتولى رئاسة دائرة الريبورتاج حتى تعيينه مدير البرامج سنة 1988 بادر غصن إلى "رسم خطة عمل موسعة تجعل من برامج الإذاعة رشيقة منوعة كي تتصدى قدر المستطاع للتلفزيون الذي سرق في حضوره الآسر وهج الإذاعة الذي كانت تملكه". وقال:"عقدت اجتماعات مع رؤساء الوحدات وطلبت منهم تقديم اقتراحاتهم وشددت على الاستعانة بأشخاص أكفياء في المجالات الأدبية والفنية كافة، والاعتماد في برامجنا على الإيجاز والابتعاد عن الاستفاضة والتطويل بحيث نجعل معظم البرامج لا يتعدى وقتها الخمس أو عشر دقائق كي نتمكن من المحافظة على نسبة عالية من المستمعين".

واضاف:"البرنامج القصير يمكن الاستماع إليه في السيارة أو في المكتب أو المنزل ولو كنا نمارس بعض الأعمال الخفيفة، واهتممت ببرامج الشباب في طرح مشاكلهم أو اختياراتهم الفنية، وخصصت مساحة أوسع لهذه الشريحة من المستمعين. وطبقت الأمر نفسه على مستوى الأغاني والبرامج الفنية، فلم نعد نقدم المطولات الغنائية الطربية إلا في أوقات معينة. ولاجتذاب نسبة أكبر من أبناء الجيل الطالع قدمنا أغنيات لمطربين جدد ذات مستوى فني متكامل كلمة ولحنا واداء".

الجندي
ثم تولت المذيعة إلهام علوية الجندي سرد بعد ذكرياتها خلال عملها في الإذاعة (1962-2002)، أيام "الأستديو رقم واحد، أستديو الأخبار والبرامج المباشرة واللقاءات السياسية.

وقالت:"في تلك الفترة، كان رئيس قسم المذيعين شيخ المذيعين شفيق جدايل، وكنا مجموعة مذيعات ومذيعين، بينهم رائدة المذيعات العربيات عبلة الخوري وماجدة عطار مراد وناهدة فضلي الدجاني وإدفيك جريديني شيبوب صاحبة برنامج المرأة، ثم أحيلت على التقاعد فتلتها في تقديمه بديعة فتح الله جنبلاط إلى جانب برنامجها "ما يطلبه المستمعون".

وتابعت:"من المذيعين، أتذكر فؤاد سلمان وأنطوان الراعي وخالد مسالخي وحسن عيد، وكان في قسم تحرير الأخبار جان عبيد ومحسن دلول وإدمون رزق صاحب التعليق السياسي المسائي بعد نشرة أخبار السابعة والنصف. وفي بداية السبعينات أطلقت الإذاعة برنامج البث المباشر بإشراف الزميل المخرج ورئيس قسم الإخراج والمنوعات محمد كريم. وبعدها حذت الإذاعات العربية حذو إذاعتنا في تقديم البث المباشر. وأذكر أنني قدمت الحلقة الأولى على الهواء مباشرة مع الزميل الراحل رياض شرارة. ومن زملاء البث المباشر في تلك الفترة محمد المشنوق وإيلي صليبي وإيلين دفوني. تلك كانت الانطلاقة، ثم أتت أسماء كثيرة من مذيعين ومذيعات، ولا زال برنامج البث المباشر مستمرا حتى اليوم".

واضافت:"أثناء تقديمي البث المباشر استقبلت شعراء وكتابا وسياسيين وإعلاميين وصحافيين وأشخاصا من المجتمع المدني. وأتذكر الآن الشاعر نزار قباني والشاعر محمد الفيتوري والكاتب عبد السلام العجيلي والروائي الطيب صالح صاحب موسم الهجرة الى الشمال وعرس الزين وسواهم كثيرين. وأتذكر جلسات في مكتب الزميل محمد كريم مع أعلام تلك الفترة: الشاعر والملحن سامي الصيداوي صاحب أغنية "بتندم" التي غنتها وداد، والأستاذ محمد شامل وفيلمون وهبي الذي كان يعد فقرات "برنامج الجندي" ويخرجه محمد كريم بتمثيل شوشو ووحيد جلال وعماد فريد وعبد المجيد مجذوب ومحمد وثريا نور الدين وأنطوانيت وليلى ملوحي وشريف الأخوي صاحب برنامج "نزهة"، ومن الشعراء كان يأتي شوقي بزيع ومحمد علي شمس ويعدان فقرات لبرنامج الصباح "كلمات ليوم جديد" كنت أقدمه بعد إحالة ناهدة فضلي الدجاني على التقاعد".

كريم
وختاما تحدث المخرج محمد كريم الذي رسم خارطة زمنية للاذاعة مع تسلم الدولة اللبنانية إدارتها سنة 1946 وتعيين الأديب والصحافي ألبر أديب مديرا لها، فكان عليه أن ينهض بها من البداية في كل شيء وبذل جهدا كبيرا لتأسيس الإذاعة ووضع أطرها التنظيمية. وعانى القيمون على إدارة الاذاعة متاعب جمة في طور التأسيس والانطلاق. وعرض مديرها في تصريح صحافي بعضا من معاناته ذاكرا أنه لدى تسلمه ادارة الإذاعة دعا المغنين والمغنيات وأصحاب الأصوات الجميلة فتجمع لديه عدد ضخم من الطلبات لكنه كان عديم الفائدة للاذاعة، إذ إن أكثر المتقدمين جاء يقلد عبد الوهاب وأم كلثوم".
واضاف:"أما أصحاب الأصوات الجميلة، فعلا فكانوا أميين لذا كان على الملحنين أن يعلموهم القراءة أولا ثم اللحن. وكانت العقبة الكبرى أمامه توصيات الزعماء ورجال السياسة. وسعى المدير إلى وضع أسس لتنظيم إذاعة وطنية، وفتح المجال أمام الطاقات الأدبية للعمل والتعامل مع الإذاعة:الأخطل الصغير، الياس أبو شبكة، مارون عبود، عمر فاخوري، عمر فروخ وسواهم، وتم إلحاق مجموعة شباب مؤهلين أدبيا وثقافيا في صفوف المذيعين: فاضل سعيد عقل، أحمد دمشقية، صلاح عبوشي، غنطوس الرامي، زيادة عواد، بهيج عثمان، سعدي بصبوص، شفيق جدايل وغيرهم. وفي تلك المرحلة استمر التركيز في برامج الإذاعة على نشرات الاخبار والتعليقات السياسية والاستقبالات الرسمية، اضافة الى الأحاديث الأدبية والحفلات الغنائية".

واشار الى انه "من الأحداث الأدبية مشاركة الأديبة حبوبة حداد التي كانت تكتب وتقدم قصصا خاصة بالأطفال وتلاقي صدى واسعا في المجتمع اللبناني. فهي أول مقدمة برامج للأطفال في لبنان، إن لم يكن في العالم العربي. وبعد إنشائه فترة البث المباشر في الإذاعة وكانت تلك خطوة رائدة في الإذاعات العربية"، لافتا الى "أن مطلع الستينات شهد تطورا نوعيا في بنية الإذاعة تقنيا وبشريا".

وقال:"انتقلت الإذاعة الى المبنى الجديد في الصنائع حيث هي اليوم، وعرفت بالإذاعة الكبرى، وتحول اسمها من الإذاعة اللبنانية إلى اذاعة لبنان، وكان مبنى وزارة الاعلام أحدث وأجمل مبنى رسمي في الدولة اللبنانية. وبات للاذاعة ستة استديوهات إذاعية مجهزة بأحدث تقنيات الصوت وأفضل الإمكانات، ما أتاح إنتاج برامج ثقافية وفنية وأدبية. وتم تدريب الكادرات وملء المراكز في ملاك الإذاعة الجديد بمجموعة إذاعيين أسسوا نهضة الاذاعة الحديثة، وانضم إلى كادر المذيعين: إدمون رزق، رشاد سلامة، الياس الفرزلي، أنطوان الجميل، وضم الجيل الثالث من المذيعين: فؤاد سلمان، إلهام علوية الجندي، جمال عباس، طاهر حلبي وأنطوان الراعي. وصارت الإذاعة خلية تعج بالفنانين من موسيقيين ومطربيين ومطربات وأدباء وشعراء وكتاب وممثلين، وانفتح المجال لفنانين وملحنين وأدباء بتقديم أعمالهم الموسيقية والأدبية ما حقق لها المستوى اللائق".

وفي ختام اللقاء تسلم الحاضرون من منشورات مركز التراث اللبناني مجموعة الكتب الكاملة وأعداد مجلة "مرايا التراث".